مقدمة
يواصل حزب العدالة والتنمية مسيرته النضالية الهادفة إلى الإسهام في بناء مجتمع مغربي تحكمه مبادئ العدالة والديمقراطية، ومنخرط في مسيرة التحديث والتنمية الشاملة ودولة المؤسسات الضامنة للحريات والحقوق، وللمشاركة الشعبية الواسعة في إطار مرجعيته الإسلامية.
و يستمد حزب العدالة والتنمية جذوره الروحية والفكرية وأسس مشروعه المجتمعي من الرصيد الحضاري للشعب المغربي ومن مرجعيته ومنطلقاته الإسلامية الثابتة وقيمه الثقافية الغنية التي انصهرت في إطار حركة تاريخية وحضارية خلاقة كونت ملامح الشخصية المغربية وسماتها المميزة.
ويواصل حزبنا تلك المسيرة على الطريق الذي سلكه المجاهدون الأولون من مؤسسيه وعلى رأسهم الدكتور عبد الكريم الخطيب والأستاذ بنعبد الله الوكوتي الذين صاغوا المعالم الرئيسية لمسيرة حزبنا تصورا وممارسة. كما ينطلق حزبنا في ذلك من إيمان عميق بأن المغرب يمتلك من المقومات ومن الموارد الطبيعية والبشرية ما يمكنه من أن يبني مجتمعا حديثا ومتقدما دون أن يفرط في مقومات شخصيته التاريخية ورصيده الروحي والثقافي.
المغرب المعاصر في سياق التحولات
عرفت بلادنا منذ فجر الاستقلال ظهور عدة تشكيلات حزبية تناسلت مع الزمن إما لأسباب إيديولوجية وسياسية وإما لأسباب ترتبط بخلافات تنظيمية وخلافات شخصية.
تميز حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه سنة 1967 تحت اسم ”الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية” بالدفاع عن الحريات العامة واحترام الدستور والنضال من أجل الديموقراطية. ولقد مكن هذا الخط الأصيل والمتميز حزبنا من أن يكون إطارا حاضنا لروافد هامة من أبناء الصحوة الإسلامية، كما أصبح محط آمال عريضة من قبل فئات واسعة من الشعب المغربي، وإضافة نوعية إلى المشهد السياسي والحزبي.
والوقوف عند هذه الإضافة النوعية وإبراز معالم هوية حزبنا ورسالته الإصلاحية ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين يقتضي استحضار معالم الهوية التاريخية لشعبنا ودولتنا والتحولات الكبرى التـي عرفها المغرب ثقافيا واجتماعيا وسياسيا منذ فرض نظام الحماية عليه، إضافة إلى المتغيرات الدولية الكبرى المحيطة ببلادنا اليوم.
I. المغرب تاريخ عريق وحضارة مجيدة
لقد تميز المغاربة عبر تاريخهم الطويل بالأمجاد ومقاومة جميع محاولات التدخل والهيمنة والتبعية للأجنبـي. ولما جاء الإسلام زاد تلك الخصائص قوة وتجذرا.ولقد تقبل المغاربة الإسلام طوعا وتفاعلوا معه وأحبوه وأحبوا كل ما يرمز إليه، كما أحبوا لغة القرآن وتعلموها وأبدعوا فيها. وفي المقابل وسع الإسلام أهل المغرب فاحتضن ثقافتهم ولغتهم وعاداتهم، كما أسهموا هم أيضا من خلال ثقافتهم ولغتهم في إغناء الثقافة الإسلامية والإنسانية.
ولقد قامت الأسر المتعاقبة على حكم المغرب منذ المولى إدريس الأول على أساس الإسلام فعرف المغرب بهذه الصفة، وبقي كذلك اثني عشر قرنا على الرغم من تعاقب الدول، وفترات الضعف والخلل.
كما ظل الإسلام على الدوام مرجعا تنطلق منه مختلف الحركات الإصلاحية التـي عرفها المغرب عندما كانت تظهر معالم الضعف والتفكك كما هو الشأن بالنسبة والمرابطين والموحدين والوطاسيين والسعديين والمرينيين والعلويين، فكانت توحد المغرب وتجمع قواه وطاقاته من أجل النهوض ودفع العدوان الخارجي.
ولقد أقام المغاربة حضارة زاهرة فصار المغرب مركز إشعاع ديني وحضاري وثقافي وقبلة لطالبي أسباب القوة في المعرفة والعلم. وقامت فيه نهضة عمرانية ومدنية كما تدل على ذلك مختلف مظاهر الرقي المتمثلة في الصناعات والحرف وأساليب الري وفنون المعمار وتنظيم المجتمع الأهلي لذاته في مجال التعليم وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية. وهكذا ظل المغرب لقرون طويلة قوة سياسية لها هيبتها وتأثيرها وإشعاعها الحضاري.
غير أنه مع بداية القرن التاسع عشر تأكدت معالم الضعف والتراجع التي كانت بوادرها قد بدأت مع نهاية عصر المرينيين، وتزامن ذلك مع بداية النهضة الأوروبية. وكانت الهزيمة في معركة إيسلي حدثا فاصلا في كشف هذه المفارقة والوقوف عند البون الشاسع بين المدنية الحديثة المتمثلة في القوى الأوربية الاستعمارية الصاعدة وبين المجتمعات العربية والإسلامية، إذ كانت عوامل التخلف والتراجع الحضاري قد استحكمت داخل المجتمع المغربي، فجمدت الحياة الثقافية والفكرية، وضعفت الدولة المركزية وفقدت سيطرتها على الأطراف وعادت عوامل التفرقة القبلية وسيطر التقليد في مجال الفكر، وجمدت حركة الاجتهاد وصار ينظر إلى أية محاولة للتجديد والتحديث باعتبارها بدعة منكرة، وهو ما يفسر فشل عمليات التحديث الذاتي التي سعى المغرب إلى القيام بها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وإلى جانب هذه العوامل الذاتية وجب التأكيد على دور العوامل الخارجية. ذلك أن محاولات التحديث التي عرفها المغرب قد اصطدمت أيضا بالأطماع الخارجية التي تزايدت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إذ لم تكن بعض الدول الغربية تنظر إلى بعض المبادرات الإصلاحية التي حاول القيام بها بعض سلاطين المغرب آنذاك بعين الرضا، ومنها العناية بإصلاح التعليم وإيفاد البعثات الدراسية إلى الخارج والقيام بإصلاح إداري والسعي لتحديث الجيش وبناء صناعات عسكرية. ولذلك صارت تمارس ضغوطا متواصلة على المغرب وتحكم الطوق عليه من خلال عدة واجهات منها احتلال جزء من ترابه، وفرض “إصلاحات” تخدم مخططاتها الاستعمارية كما جرى في اتفاقية الجزيرة الخضراء، وانتهى ذلك كله بدخول المغرب تحت الحماية الفرنسية سنة 1912.
II. المغرب في مواجهة الاستعمار
سقط المغرب رغم مقاومته الشرسة للمؤامرات الاستعمارية في براثن الاحتلال الفرنسي والاسباني، فتصاعدت حركة المقاومة و كان العمل الوطني في منظور رواده جهادا في سبيل الله فاقترنت عندهم الدعوة إلى تحرير الوطن بالدعوة إلى تصحيح العقيدة و تصحيح السلوك والاستقامة على الدين. وفي المقابل فإن الاستعمار الفرنسي لم يقتصر على بسط سيطرته السياسية على المغرب من خلال الحماية بل عمل على واجهات متعددة منها:
- الحيلولة دون أية محاولة للنهوض الذاتي من خلال عزل المؤسسات الثقافية والعلمية والاجتماعية والبنيات الاقتصادية التقليدية بإرساء بنيات جديدة تخدم مصالحه، الأمر الذي ترتب عنه ظهور بنيات متوازية: الأولى أصيلة لكنها تقليدية لا تواكب تطورات العصر بفعل عامل الحصار والتهميش، والثانية بنيات حديثة ومعاصرة لكنها خادمة لمصالحه. الاختراق الفكري للنخبة السياسية والثقافية والاجتماعية بحكم ارتباطها بالبنيات الحديثة التي أرستها الحماية، وبحكم ارتباطها المصيري بالمصالح الاستعمارية، مما ترتب عنه ظهور بعض النخب السياسية والثقافية والاقتصادية التي ارتبطت مصالحها ارتباطا جوهريا بالمصالح الاستعمارية.السعي لزرع الشقاق والتفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي والثقافي المغربي من خلال ما سمي بـ”الظهير البربري” وهي المحاولة التي اصطدمت على صخرة وحدة الشعب المغربي ووعيه بالمؤامرة الاستعمارية كما عبرت عن ذلك حركة اللطيف الاحتجاجية التي انطلقت من المساجد.
III. المغرب بعد الاستقلال: تحولات واختيارات
ولقد كان من نتائج الاختراق المذكور أنه ولأول مرة ستظهر في المغرب توجهات فكرية وإيديولوجية تدافع عن التركة الاستعمارية في المجال الفكري والقانوني، وهو ما تجلى بوضوح في إفشال المحاولات الأولى لإعادة صياغة المنظومة التشريعية بعيدا عن القوانين التي وضعها الاستعمار. ونتيجة لذلك ستخرج من تحت عباءة الحركة الوطنية توجهات فكرية وسياسية متعددة ومتناقضة، مما سيؤدي إلى انقسام توجهات النخبة بين توجهات ظلت وفية لمبادئها الإسلامية، وأخرى مناصرة للاختيارات الليبرالية وثالثة متحمسة للتوجهات الاشتراكية.
وإذا كانت مرحلة ما قبل الاستقلال قد عرفت تلاحما بين مكونات الحركة الوطنية وبين هذه الأخيرة والعرش، فإنه سرعان ما ستبرز تناقضات على خلفية تقييم نتائج الاستقلال واتفاقية إيكس ليبان، وعلى خلفيات الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية التي ينبغي اعتمادها لبناء مشروع مجتمعي للمغرب المستقل.
ولقد انطبع الصراع السياسي آنذاك بظروف تلك المرحلة التاريخية التي كانت تعرف حضورا للفكر الاشتراكي والشيوعي والجماعات المتأثرة بمناهج العنف الثوري، فأصبح الصراع السياسي على السلطة هو المهيمن على مرحلة الستينات وبداية السبعينات، وهو الصراع الذي وصل إلى حد الاصطدام بين المعارضة وبين الحكم والرغبة في الإقصاء والإقصاء المضاد مما جعل تلك الحقبة حقبة صراع مرير ضاعت معها على المغرب فرص تاريخية للتقدم والازدهار..ولقد ألقى الاختراق المذكور، وذلك الصراع بظلاله الواضحة على مجمل الحياة الدستورية والسياسية والتشريعية وعلى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذ بها المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم.
1. على المستوى الدستوري
سعى المغرب بعد استقلاله إلى بناء مؤسسات دستورية تضمن المشاركة الشعبية وتشيد نظام ديمقراطي قائم على فصل السلط، وضمان الحريات السياسية. ولقد كان مطلب إقامة ملكية دستورية من المطالب المبكرة التي عرفت لها أنصارا منذ بداية الاستقلال، كما كان هناك اتفاق بين الملكية والحركة الوطنية على شعار “الملكية الدستورية” على الرغم من الخلاف حول مضمونها.
وإذا كان النضال من أجل الاستقلال قد أجل قضية الإصلاحات السياسية والدستورية الداخلية، فإن القضية الدستورية ستفرض نفسها منذ بداية الاستقلال حيث سيصدر في 8 ماي 1958 العهد الملكي الذي سيؤكد بأنه قد آن الأوان لإقامة مؤسسات دستورية تستطيع ضمان مشاركة الشعب مباشرة في تسيير الشؤون العامة، وتشييد نظام ديمقراطي قائم على فصل السلط وضمان الحريات الأساسية، ومتلائم مع الواقع المغربي وغير متعارض مع أحكام الدين الإسلامي وقيمه الوطنية.
ولقد سعت الدساتير التي جاءت بعد الاستقلال ابتداء من دستور 1962 إلى الجمع بين الإقرار بالملكية الدستورية كمحاولة للتحديث السياسي وبين إمارة المؤمنين والصفة الإسلامية للدولة باعتبارها تشير إلى الشرعية الدينية التي قامت عليها الدولة المغربية طيلة تاريخها.
غير أن النظام الدستوري قد بدأ متأثرا بوضوح بالصراع السياسي الذي عرفه المغرب خلال الستينات وهو الصراع الذي تحول إلى صراع وجود بين الملكية وبعض القوى السياسية بالمغرب. وقد أدى ذلك إلى اختيار ملكية دستورية ذات صلاحيات واسعة. وجعل قضية الإصلاح الدستوري وصلاحيات مختلف المؤسسات الدستورية تبقى مجال نقاش سياسي مستمر.
وإذا كانت الدساتير المغربية واضحة في التنصيص على إسلامية الدولة وأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي مع التأكيد على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية لكل المواطنين، وواضحة أيضا في التأكيد على الصفة الدينية للملك حيث إن الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، وأن النصوص المرتبطة بالدين الإسلامي غير قابلة للمراجعة، فإن ذلك الوضوح في التأكيد على المرجعية الإسلامية للدولة لم ينعكس على الحياة القانونية والتشريعية حيث بقيت مثل غيرها من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية تهيمن عليها الازدواجية.
2. على المستوى السياسي
إذا كان للصراع السياسي الذي عرفه المغرب مباشرة بعد الاستقلال آثاره الواضحة على النظام الدستوري، فإن للصراع المذكور أيضا آثاره على الواقع السياسي والمؤسساتي وعلى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تبناها المغرب بعد الاستقلال ونستطيع أن نحدد تلك الآثار فيما يلي:
- بقاء مختلف الإصلاحات الدستورية والعمليات والاستحقاقات السياسية والانتخابية محكومة بهاجس التوازن السياسي من طرف الحكم وبهاجس تحديد صلاحيات الملكية من طرف القوى المعارضة.
- تميز العمل السياسي المعارض لوقت طويل بالجذرية والانقلابية التي كادت أن توصل البلاد إلى مآلات غير محمودة، وقد عملت أطراف ثالثة على تكريس مسلسل الصراع وتذكية عوامله وإجهاض أية محاولة للتقارب بين الحكم وقوى المعارضة.
- لجوء النظام إلى عدة آليات من أجل ضمان التوازن إلى جانب آلية القمع والمواجهة ومنها آلية صنع بعض النخب السياسية والحزبية واختراقها، وآلية التدخل من أجل إنشاء الأحزاب، والتدخل في الاستحقاقات الانتخابية وفي صناعة الخريطة السياسية.
- تفشي ظاهرة العزوف عن العمل السياسي والحزبي والتعاطي مع الاستحقاقات حتى صار العمل الحزبي عند البعض مقرونا بالوصولية والانتهازية.
- تضخم ظاهرة الامتيازات ونشوء لوبيات مصلحية وانتعاش اقتصاد ريعي استفاد أصحابه من جو الصراع السياسي وحاجة النظام لنخب اقتصادية وسياسية موالية في مواجهة المعارضة الجذرية.
- وعلى بالرغم من تلك الصيرورة التي تميزت بالصراع والرغبة في الإقصاء، فإن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن النظام المغربي بحكم أصالته التاريخية وطبيعته غير الطائفية أو الحزبية، وتبنيه منذ بداية الاستقلال لنوع من الليبرالية السياسية والاقتصادية قد كانت تجربته أفضل من تجارب كثير من الأقطار العربية التي دخلت في تجارب شمولية نتجت عن ديكتاتوريات عسكرية تحكم باسم الإيديولوجيا أو الحزب أو القبيلة أو العشيرة.
- وقد سمح هذا الانفتاح رغم تجارب الصراع المريرة بتبلور ميول ديمقراطية وتوجهات معتدلة داخل الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية. ومن جهة أخرى فإن محافظة الملكية على أصالتها التاريخية القائمة على المرجعية الإسلامية، وعلى التقاليد المنبعثة من عنصر التحكيم، والتي تستند إلى آلية ضبط التوازنات، باعتبارها عنصرا من عناصر ضمان الاستقرار السياسي؛ كل ذلك جنب المغرب الانزلاق نحو علمانية محاربة للدين أو نظام شمولي منغلق رافض لأي شكل من أشكال الانفتاح السياسي.
3. على المستوى الثقافي والتعليمي
كان من المفروض أن يكون المدخل الأساس في إحداث نهضة شاملة هو المدخل التعليمي والثقافي على اعتبار أنه من أكبر المداخل التي اهتمت بها كثير من التجارب النهضوية والتنموية في العصر الحديث. إلا أن المعاينة المتأنية للسياسات الثقافية والتعليمية التي اتبعت منذ الاستقلال إلى اليوم تبرز أنها من الجوانب التي ظل فيها الاختراق الاستعماري واضحا للعيان. ولقد تجلى هذا الحضور في إجهاض مختلف المحاولات الإصلاحية في هذا المجال إذ بدت بوضوح جيوب المقاومة التي سعت إلى استدامة الهيمنة اللغوية والثقافية للغة وثقافة المستعمر على حساب اللغة العربية والثقافة الوطنية. ولقد برزت آثار تلك المقاومة في التدبير المرتجل والمتخبط، مما أدى إلى الفشل المتلاحق للسياسات والأهداف التي حددت للنظام التربوي والتعليمي حتى صار ينظر إليه على أساس أنه عبء على كاهل الدولة تسعى إلى التخلص منه.
وبنظرة مركزة إلى حصيلة نظام التعليم ببلادنا بعد ما يزيد على أربعة عقود من الاستقلال تجدها تتسم بالقصور في تحقيق تعميم التعليم ومحو الأمية واستمرار الازدواجية داخل نظام التعليم وتذبذب السياسة اللغوية والتغيير المتسارع والمتلاحق في المناهج والبرامج، وسوء تدبير الموارد المالية والبشرية لهذا القطاع، وعدم تلاؤم محتويات نظام التربية والتكوين مع حاجيات سوق الشغل وقصور الجامعة المغربية في الاضطلاع بوظيفة البحث العلمي وتفاقم أزمتها البنيوية وضعف استقلاليتها ودمقرطة العلاقات داخلها وتراجع الحريات العامة بها.
وعلى الرغم من صدور ميثاق التربية والتكوين، الذي استطاع لأول مرة وضع تشخيص لمختلف مظاهر الأزمة البنيوية في هذا النظام ووضع عدة دعامات ومرتكزات ومشاريع للنهوض تعتبر حدا أدنى حظي بتوافق معظم مكونات المجتمع السياسي والمدني فإن ما يطبع تنزيل ذلك المشروع هو التردد وضعف الإنجاز و الاجتزاء وغياب إرادة قوية لتفعيل مقتضياته.
وفي المجال الثقافي فقد تميزت السياسات الثقافية التي اتبعت منذ الاستقلال بضعف العناية بالثقافة الوطنية بمختلف روافدها الإسلامية والعربية والأمازيغية. وفي الوقت الذي نجد فيه دولا مثل فرنسا تعي مخاطر العولمة الثقافية وتدافع بشراسة على مبدإ الاستثناء الثقافي وعيا منها بما لها من خطورة على هويتها واستمراريتها الحضارية، لاحظنا تذبذبا واضحا في السياسات الثقافية المتبعة طيلة عهود الاستقلال والتي بدا فيها انحياز واضح للثقافة الفرنكوفونية على حساب الثقافة الوطنية.
وعلى العموم فلا يزال القطاع الثقافي خارج سلم أولويات السياسات الحكومية ولم يرق إلى مستوى الاعتبار الملائم له إذ أن المغرب لم يصل بعد إلى تخصيص نسبة 1% من الناتج الداخل الخام كنسبة متعارف عليها عالميا في الإنفاق عليه. والأكثر خطورة هو وجود ظواهر ثقافية تشكل مؤشرا لقياس تخلف الشعوب أو تقدمها ومنها ضعف القراءة وضعف الطباعة والنشر، مما يعكس غياب استراتيجية ثقافية منذ الاستقلال تراهن على إحداث نهضة ثقافية شاملة باعتبارها مدخلا رئيسا للتنمية الشاملة. وفي غياب سياسة ثقافية واضحة المعالم تعنى بتحصين الشخصية المغربية وفي ضوء ضعف الإنتاج الوطني كما وكيفا، وفي إطار تفاقم سلبيات العولمة الثقافية التي تسعى إلى فرض نموذج واحد في التفكير والذوق وأسلوب الحياة أي الأسلوب الأمريكي، من خلال توظيف تفوقها في مجال امتلاك وتوظيف تكنولوجيات الاتصال المتقدمة ازدادت آثار الغزو الثقافي والاختراق السلوكي والأخلاقي، الشيء الذي يضر بالشخصية الوطنية.
4. على المستوى الاقتصادي والاجتماعي
لقد اختار المغرب منذ الاستقلال السير ضمن اختيار اقتصاد السوق على الرغم من التوجه الأيديولوجي الاشتراكي الذي كان مغريا في ذلك الوقت. ولقد تكرس دور الدولة رغم ذلك كفاعل اقتصادي وتم اعتمادها سياسة حمائية ستنطبق أساسا على المبادلات مع العالم الخارجي. لكن الوضع السياسي الذي أشرنا إليه كانت له نتائج سلبية على هذا الاختيار حيث تبلور مع الزمن اقتصاد ريعي ارتبطت به عدة مصالح ستتحول إلى لوبيات ضاغطة مقاومة للتغيير ومعيقة لمبادرات الإصلاح مما سيقود اقتصاد البلاد إلى مستويات كارثية فرضت لجوء الدولة إلى سياسة التقويم الهيكلي. وإذا كانت السياسة المذكورة قد مكنت من تصحيح التوازنات الاقتصادية العامة والاختلالات المالية وإقرار بعض الإصلاحات الهيكلية في أفق تقوية انفتاح المغرب وتأهيله للانخراط في مسلسل تحرير المبادلات التجارية فإن تلك السياسة لم تواكبها الإصلاحات الضرورية في التعليم والإدارة والقطاع المالي والضريبي والقضاء وغيرها ،ومن ثم بقي المغرب يرواح مكانه على مستوى طموحه في تحقيق متوسط نمو ويمكن من انطلاقة مطردة للاقتصاد كانت لها انعكاسات كبرى على عدد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية.
وهكذا أفرزت تلك الاختيارات السياسية والاقتصادية والمالية عدة اختلالات على المستوى الاجتماعي إذ ما فتئ مؤشر الفقر يتفاقم حتى أصبح حوالي 6 ملايين مغربي على الأقل يعيشون تحت عتبة الفقر (أقل من دولار واحد يوميا) وخاصة في العالم القروي. كما تعمقت الفوارق بين الأشخاص والفئات والأقاليم والجهات، ولقد ترتبت على ذلك عدة مؤشرات اجتماعية مقلقة تتحدى الاستقرار الاجتماعي والسياسي ومنها:
- تفشي البطالة وتفاقمها وخاصة في أوساط الخريجين في الوسط الحضري في حين يظل التشغيل في الوسط القروي تحت رحمة التغيرات المناخية كما أن فرص الشغل في تراجع مستمر بسبب غياب نمو اقتصادي مطرد و بسبب الاختلال في سوق الشغل بين العرض والطلب وعدم ملاءمة التكوين مع الحاجيات الوطنية.ضعف المقاولة المغربية على مستوى التمويل وعلى مستوى التأطير الأمر الذي جعلها غير قادرة على امتصاص الأعداد الهائلة المتدفقة على سوق الشغل.غياب مقاربة شمولية وعميقة لمعالجة معضلة البطالة، وتقلص فرص الشغل في ظل ضعف الاستثمار وقصور الإجراءات المتخذة في مجال تشجيع التشغيل الذاتي فضلا عن تفشي ظواهر المحسوبية والزبونية في التوظيف.تدني مستوى الخدمات الصحية فإذا كان مستوى الخدمات الصحية من المؤشرات المعتمدة دوليا في قياس مستويات التنمية فإن الواقع يبين أن الخدمات الصحية في المغرب لم تعرف تطورا ملموسا على مر السنين بل يلاحظ تدهورها بالتدريج منذ أن أخذ المغرب بسياسة التقويم الهيكلي شأنها شأن كثير من القطاعات الاجتماعية، وهو ما يؤكده استمرار تفشي عدد من الأمراض المنقولة والمعدية، وعودة بعضها الآخر إلى الظهور، وضعف الرعاية الصحية الأساسية وضعف البنيات التحتية. لقد انعكست الفوارق الاجتماعية بوضوح أيضا في المجال الصحي حيث أصبح هذا القطاع يتسم هو الآخر بوجود فوارق فاضحة في الحصول على العلاج الضروري بين الفئات والأفراد، وبين المجال الحضري والمجال القروي، فضلا عن ضعف التدبير الفعال للقطاع إن على مستوى الموارد البشرية أو أن على مستوى التجهيزات والإمكانيات المادية.وفيما يتعلق بالمرأة والأسرة فعلى الرغم من المكاسب التي تحققت للمرأة في المغرب في عهد الاستقلال فإن أوضاع النساء ببلادنا ظلت تتسم على العموم بالدونية وتفشي الأمية والمعاناة الشديدة من وطأة التعسف وهضم الحقوق الشرعية والقانونية واستفحال الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي والجنسي وتزايد العنف في حقهن فضلا عن ضعف حضورهن في مراكز القرار السياسي، وهو ما انعكس على فعالية المرأة المغربية في القيام بأدوارها الأسرية والاجتماعية، والتنموية. مما كان سببا من أسباب ضعف تطور ونمو المجتمع. ومن جهة أخرى أدى تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتفشي الفقر والتأثر ببعض القيم والمعايير الغربية إلى ظهور عقبات في وجه الزواج وتكوين الأسر وبوادر للتفكك الأسري وتراجع الأدوار التربوية المنوطة بالأسرة. كما بدأت تظهر بعض الظواهر الغريبة عن المجتمع المغربي من مثل ضعف رعاية المسنين والعجزة.
IV. المغرب في سياق تحديات العولمة
عرف العالم أواخر القرن الماضي تغيرات كبيرة وتحولات جذرية على المستوى السياسي والاقتصادي إذ ظهر ما يعرف بنظام القطبية الوحيدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وتصاعدت ظاهرة العولمة الاقتصادية وما يرتبط بها من انفتاح السوق وحرية أكبر في حركة البضائع والرساميل، واتساع نشاط الشركات المتعددة الجنسيات وظهور تكتلات اقتصادية كبرى، وغيرها من التطورات التي أصبحت تفرض على الدول القطرية تكيفا أكبر من أجل الاندماج في الاقتصاد العالمي و تأهيلا لنسيجها الاقتصادي.
يأتي ذلك في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون المغرب قد قطع أشواطا في التأهيل الذاتي في أفق بدء العمل في إطار المنطقة الحرة مع الاتحاد الأوربي سنة 2010 وفي الوقت الذي وقع فيها مع الولايات المتحدة اتفاقية التبادل التجاري الحر، وهو ما يطرح عليه تحديات كبيرة تتعلق بتأهيل نسيجه الاقتصادي كي يكون قادرا على المنافسة
أما على المستوى السياسي فإن انفراد الولايات المتحدة بالقيادة السياسية للعالم قد أدى اختلال في موازين النظام الدولي وإلى تهميش دور الأمم المتحدة. كما أدى إلى تكريس عجز هذه المنظمة عن أداء دورها كأداة دولية لإقرار السلام والتدخل لحل المنازعات الدولية وفق معايير موضوعية. وفي هذا الإطار يأتي استمرار عدة بؤر للتوتر في العالم وعلى رأسها استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتصاعد العدوان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني وفي حق مقدساته وأبسط حقوقه، وعجز المنتظم الدولي عن إلزامه بالقرارات الصادرة عنه وخاصة القرار 242 و338 و425. وفي هذا السياق أيضا استمرت المطالبة المشروعة لعدد من شعوب العالم بمراجعة ميثاق الأمم المتحدة والمعايير التي بنيت على أساسها العضوية الدائمة لبعض البلدان الغربية وحق الفيتو التي تتمتع به والذي يعكس بوضوح قيام العلاقات الدولية وما يسمى بـ” الشرعية الدولية ” على منطق القوة عوض منطق العدل. وداخل هذا السياق الدولي ظل المغرب يؤدي فاتورة مخلفات الحرب الباردة من خلال استمرار التوتر المرتبط بقضية صحرائه المسترجعة، واستمرت معاكسات خصومه لوحدته الترابية من أجل عرقلة تحرير كافة المناطق والجزر المغربية التي لا تزال خاضعة للاحتلال الإسباني. في إطار هذه الظروف كذلك استمر الضعف العربي والإسلامي واستمر التفكك في العالم العربي والإسلامي وظهر العجز واضحا في أداء منظماته والشلل كبيرا في تجمعاته والأكثر من ذلك أنه ظهرت مخططات لمزيد من التفكيك والتفتيت وزرع الحروب الأهلية والطائفية والفتن لتحقيق مزيد من السيطرة على الثروات النفطية والمعدنية والمائية في العالم العربي والإسلامي. ولقد أدى ذلك كله إلى انكماش الدول العربية والإسلامية على ذاتها واشتغالها بشأنها الداخلي وتراجعت الأدوار التي كانت تضطلع بها بعض الأقطار العربية في مجال دعم التضامن العربي والإسلامي، ومن بينها بلادنا، بل لقد بدأت كثير من الدول العربية تبحث عن خلاصها الفردي والاستظلال بالمظلة الأمريكية والصهيونية كما يشهد لذلك هرولة الكثير منها إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن الناحية السياسية تكرست هيمنة الولايات المتحدة على الساحة الدولية وأصبحت توظف المنتظم الدولي والشرعية الدولية لخدمة مصالحها كما هو الشأن في حرب الخليج الثانية. وفي هذا السياق المتسم باختلال التوازن لفائدة طرف واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية وقعت هجمات الحادي عشر من شتنبر فانتهزتها الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة الإرهاب لشن حربين متتاليتين في المنطقة العربية الإسلامية وفرض رؤيتها السياسية، والأكثر من ذلك أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بتحالف مع اليمين المسيحي النافذ في الإدارة الأمريكية قد انتهز هجمات الحادي عشر من شتنبر للربط بين الإسلام والإرهاب وبين المسلمين والإرهاب وإعلان حرب شعواء على التعليم الديني في العالم الإسلامي وعلى العمل الخيري. وفي الوقت الذي وفر فيه كل أشكال الدعم المادي والسياسي للعدوان الصهيونـي على شعب فلسطين وتبرير سياساته الإجرامية صار يشكك في مشروعية المقاومة الفلسطينية ويقارن بين عملها المقاوم داخل فلسطين وبين هجمات تنظيم القاعدة. وفي المقابل فإن الهجمات المنسوبة إلى هذا الأخير قد أسهمت في خلق أجواء من عدم الاستقرار العالمي، فصار شبح الحرب والإرهاب يهدد الأمن والسلام العالميين. ولقد أدى ذلك إلى إعلاء صوت التطرف والعنف وأصبح الإسلام والمسلمون يحملون المسؤولية المعنوية عن الإرهاب وصارت صفة الإسلامي تلصق بـ “الإرهاب”.
وفي المغرب كشفت الأحداث الإرهابية التي استهدفته يوم 16 ماي 2003 عن هشاشة التجربة الديمقراطية والمكاسب الحقوقية التي راكمها المغرب إذ ارتفع صوت الاستئصال ووجد له آذانا صاغية في بعض الأوساط الرسمية، كما أدى عدم تبني المقاربة الشمولية التي نادى بها جلالة الملك وتغليب المقاربة الأمنية إلى تجاوزات في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان.
الاختيارات الكبرى لحزب العدالة والتنمية
إن حزبنا وهو يستحضر الهوية التاريخية لشعبنا ودولتنا وإشعاعه الحضاري والتاريخي ونضالاته، كما يستحضر مختلف مظاهر النجاح والإخفاق التي عرفتها مسيرته التنموية خلال أربعة عقود من الاستقلال والطموحات والتحديات والإكراهات الداخلية والخارجية والسياق الجهوي والعالمي التي تعيش فيه بلادنا، عازم على مواصلة مسيرته النضالية من أجل الإسهام في بناء مغرب حديث ومتقدم، معتز بأصالته التاريخية وتواق إلى الإسهام إسهاما إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية وبناء مجتمع تحكمه مبادئ العدل والتضامن والحرية والمسؤولية وتحقيق نهضة شاملة ومتوازنة، وذلك من خلال خط سياسي مبني على الوضوح وقائم على الالتزام، ساعيا إلى تخليق العمل السياسي وتدبير الشأن العام، ومسهما من خلال ممارسته اليومية وبرامجه النضالية في تحديث المجتمع وتنميته ومناضلا من أجل إقرار عدالة اجتماعية تمكن من استفادة كل المغاربة من خيرات البلاد وإمكانياتها وملتزما نهج التدرج والرفق وواضعا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
ويرتكز المشروع المجتمعي لحزب العدالة والتنمية على العناصر والمقومات التالية:
I. تعزيز أصالة المغرب وانتماءه التاريخي
والأصالة هي أن تكون مشاريعنا في الإصلاح مستنبطة من المرجعية الإسلامية وأن لا تكون اجتهاداتنا في مختلف المجالات متعارضة مع أحكامها ومقاصدها وأن تراعي البرامج التنموية الخصوصيات الثقافية والاجتماعية المغربية وتستفيد منها للتعبئة وراء مشروع تنموي ونهضوي شامل.
1. الأصالة. مبادئ ومنطلقات
يعتبر الإسلام أهم عناصر الهوية المغربية والثابت الأكبر والضامن للأصالة المغربية فهو في منظورنا عقيدة وشريعة وآداب وأخلاق ومقاصد ومبادئ تشكل أسسا صالحة لاستنباط معالم نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي قائم على أساس العدل.
و فهمنا للإسلام يرتكز على عدة أسس ومقومات هي:
أ. الوسطية
ونقصد بالوسطية اجتناب كل مظاهر الغلو في الفكر والتطرف في الممارسة. والوسطية هي الخاصية الأساسية للدين الإسلامي وللفكر والحضارة الإسلامية عبر التاريخ، بينما كان الغلو والتطرف ظل على الدوام، وسيظل، شذوذا لا يعبر عن الاتجاه الغالب في تاريخ الأمة وحاضرها.
وكما أن الوسطية هي خاصية في فهم الدين والعمل به فهي أيضا منهج عام يقوم على الاعتدال في جميع شؤون الحياة، دون أن يعني ذلك القبول بأنصاف الحلول أو التلفيق والترقيع، بل هي سعي متواصل لتحري الصواب في الاختيارات والتوجهات.
والوسطية ليست مجرد موقف سياسي، بل هي منهج فكري وموقف أخلاقي ينبغي أن يحكم نظرتنا لأنفسنا وللعالم والمجتمعات الأخرى من حولنا.
ب. التجديد والتحديث:
ونقصد بالتجديد التفاعل الخلاق والإيجابي مع الحداثة الفكرية والحداثة السياسية والحداثة التكنولوجية والمعرفية، وهو في هذه الحالة جهد يسعى إلى تأصيل الحديث وتحديث الأصيل سواء في فكرنا أو مؤسساتنا أو حياتنا العامة والخاصة وسلوكنا الفردي و الجماعي.
وتأكيدنا على ذلك التعامل الخلاق يأتي من اقتناعنا أن الحداثة ليست بضاعة أو وصفة جاهزة صالحة للتنزيل في جميع الظروف والأحوال، فالحداثة تجربة تاريخية محكومة بسياق تاريخي واجتماعي وحضاري، ومن تم اصطبغت في الغرب بتوجهات فلسفية مادية. فتكريم الإنسان الذي هو الأساس الذي انطلقت منه الحداثة في وجه استلاب الإقطاع قد تحول مع فلسفة الأنوار إلى تأليه للإنسان، وتحرير العقل في مواجهة الفكر الكهنوتي تحول إلى تقديس للعقل وتنكر للجانب الروحي وللنزوع الديني الفطري في الإنسان، وعمارة الأرض وتسخير الطبيعة لفائدة الإنسان قد تحولت إلى إفساد للبيئة وإرباك للتوازنات الطبيعية اللازمة لاستمرار الحياة البشرية
وإذا كان ذلك هو المآل العملي للحداثة الغربية وهو ما أدى إلى نشوء مراجعات نقدية لها من داخلها في إطار ما أصبح يعرف بما بعد الحداثة، فإننا نقدر أن بعض نخبنا وهي تسعى للتفاعل مع الحداثة وتمثلها فإنها تستحضر حصيلتها الإيجابية وما حققته من تحكيم للعقل ومن تنظيم للمجتمع وتقنين للعلاقات السياسية الشيء الذي أدى إلى تحقيق درجات متقدمة من الحرية والعدالة. وذلك يعنـي أنه بالقدر الذي ينبغي تمثل قيم الحداثة واستيعابها استحضارا لمقاصد الداعين إليها ولنتائجها وجب العمل على إبداع حداثتنا حتى لا تكون صورة جديدة من التقليد والاستنساخ لتجارب الآخرين. ويتطلب ذلك حاجة المجتمعات الإسلامية إلى فهم متجدد للدين، وتجديد متواصل للعمل به في سلوك الأفراد وفي واقع المجتمعات الإسلامية.
على أن التجديد في الدين لا يكون في الأمر الثابت الذي نزل به الوحي كالعبادات أو القطعيات من الأحكام الشرعية، فالتجديد في هذه الحالة معناه تنقيتها من الضلالات والبدع. أما التجديد فيما دون ذلك فلا حد له بل يدخل في اعتبار المصالح وما تترقى به حياة الناس وتتحسن به أحوالهم المختلفة من علوم وتقنيات واقتصاد ومعاملات وترتيب للسياسات التي تصلح بها أحوال الناس وتنظم به حياتهم، باعتبار أن نظام الحياة معرض للتغير والتطور تبعا لتراكم التجربة الإنسانية ومكتسباتها سواء في عالم التقنية أو في عالم الفكر السياسي والاجتماعي والقانوني.
ج. الانفتاح والتعارف:
أقر الإسلام البعد الإنساني والعالمي لرسالته وحضارته. وهو حين أكد على التنوع والتعدد، اعتبر أن المجتمعات والأمم وجب أن لا تبقى منغلقة على نفسها بل إن مقاصد ذلك التعدد هو التعارف والتنافس في الخير والعمل الصالح. والانفتاح والتعارف فضلا عن أنه ضرورة اجتماعية وحياتية لجميع المجتمعات البشرية وواقع لا مفر منه في عالم تقاربت فيه الأبعاد وتداخلت فيه المصالح وتشابكت، بحيث أصبح شبه مستحيل لأي طرف أن يعيش منكفئا على نفسه لا يرى العالم إلا من منظاره الخاص.
وهذا الانفتاح مطلوب أيضا تجاه الأديان الأخرى، فعلى الرغم من أن الإسلام يقرر أنه خاتم الأديان والرسالات ووارثها، إلا أنه يؤكد أن العلاقة بتلك الأديان وجب أن تقوم على المجادلة بالتي هي أحسن وحفظ حق أصحابها في حرية الاعتقاد كما تبين ذلك القاعدة القرآنية القائلة: “لا إكراه في الدين”، والتي تعتبر من القواعد المؤسسة للحرية الدينية في الإسلام.
ويتجلى ذلك البعد المنفتح والمتسامح أيضا في إقرار الإسلام بحق المواطنة لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي وذلك واضح في الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول وثيقة دستورية في الإسلام والـتـي جاء فيها: “اليهود أمة مع المؤمنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم”
د. الإسلام قوة تخليقية:
وإذا كانت الأحزاب تتحمل مسؤولية دستورية في تأطير المواطنين وتوعيتهم وتكوينهم على قيم المسؤولية والمواطنة، فإن ذلك لن يتحقق إلا بتخليق العمل السياسي. وهذا التخليق لا يتحقق إلا من خلال الالتزام السياسي الذي يجعل الحزب ومناضليه قدوة يحتذى بها وتشع أخلاقها القائمة على نكران الذات وإيلاء المصلحة الوطنية الأولوية على غيرها من المصالح الحزبية أو الفردية، وهو ما يتطلب حصانة ينبغي أن نستمدها من القوة التخليقية والتربوية للإسلام.
والالتزام أيضا هو اعتبار العمل السياسي واجبا وطنيا ومسؤولية، ورفضا للارتزاق به وتحويله إلى مجرد ”مقاولات” انتخابية تنشط في المناسبات، بدل أن يكون نشاطا يوميا متواصلا حتى يحقق مقاصده النبيلة.
والالتزام ثالثا هو وضع المصلحة الوطنية فوق اعتبار الأشخاص والمصالح الضيقة بما يعنيه ذلك من إعادة تخليق العمل السياسي وجعله بابا من أبواب التضحية والعطاء لا وسيلة من وسائل الوصولية والارتزاق.
ه. الدين والدولة، الدين والسياسة:
وقضية العلاقة بين الدين والدولة في بلادنا قضية محسومة دستوريا حيث ينص الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وأن النصوص المتعلقة به غير قابلة للمراجعة كما أنها قضية محسومة تاريخيا حيث ظل الإسلام باستمرار ولا يزال يشكل أساس الشرعية التي قامت عليها الدولة في المغرب. أما فصل الدين عن الشأن العام فهو أمر لا يتصور في حق الإسلام باعتباره عقيدة وشريعة، إن الإسلام ليس مجرد قيم وشعائر وأخلاق بل هو أيضا مبادئ ومقاصد وأحكام ومنهج حياة للفرد والمجتمع.
و. حزبنا والمرجعية إسلامية:
واعتماد المرجعية الإسلامية معناه أن يكون الإسلام منطلقا وإطارا لمختلف الاختيارات والاجتهادات السياسية وللمشاريع المجتمعية. والحزب حين يِؤكد انطلاقه من المرجعية الإسلامية فإنه لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام أو ناطقا باسمه. لكنه يعتبر أن الانطلاق من المرجعية الإسلامية هو الوضع الطبيعي في مجتمع مغربي تجذر الإسلام في أعماقه وفي ثقافته وتاريخه وحاضره.
انطلاقا من ذلك يعتبر حزبنا نفسه حزبا سياسيا لا حزبا دينيا وصيا على الإسلام، وأن مجال اشتغاله هو المجال السياسي، كما أن الانتماء إلى حزبنا هو انتماء سياسي على أساس المواطنة. وهو ما يجعل حزبنا مفتوحا لجميع المواطنين ماداموا ملتزمين بتوجهاته وبرامجه السياسية وقوانينه، وأن اجتهادات الحزب واختياراته تبقى اجتهادات بشرية نسبية قابلة للصواب والخطأ وأن حكم الشعب والتاريخ هو الفيصل في بيان مدى جدارتها وجدواها.
2. الأصالة…توجهات واختيارات
وتعزيز الأصالة ليس شعارا بل ينبغي أن يكون موقفا عاما ساريا في مختلف السياسات والقطاعات. ومن أهم المجالات التي يرى حزبنا أنها تضمن أصالة المغرب وتحافظ على هويته الثقافية والحضارية يقف المجال الديني والمجال التعليمي والمجال التشريعي والقانوني في مقدمة المجالات التي يتعين العناية بها ودعم توجهات الأصالة داخلها.
أ. المجال الدينـي:
يرى حزبنا أن أمير المؤمنين هو المشرف على تدبير الشأن الديني في المغرب اعتبارا للصفة الدستورية للملك بوصفه حاميا لحمى الملة والدين. ويؤكد حزبنا على أهمية مؤسسة إمارة المؤمنين ودورها التاريخي والحالي في المحافظة على الدين كما يرى العمل على دعم وتقوية كل المؤسسات الفاعلة في الحقل الدينـي.
وتتلخص توجهات حزبنا للقضايا المتعلقة بالشأن الديني فيما يلي:
- ينبغي أن تبقى المساجد بعيدة عن الصراع الحزبي، ومجسدة للإجماع ومجالا من مجالات تأمين الأمن الروحي للمواطنين، ومن تم لا يجوز أن تكون منابر للدعاية الحزبية، مع التأكيد على ضمان حرية العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود الضوابط الشرعية المرعية، وضرورة تفعيل مؤسسات العلماء للقيام بدورها كاملا غير منقوص في توعية المواطنين والتأكيد على أن إضعاف دور العلماء أو التضييق عليهم خطأ كبير ومظنة خطر على الأمن الروحي ومدعاة لظهور الغلو الديني واللاديني المهددان لقيم المجتمع وأمنه واستقراره.يجب تشجيع مبادرات المجتمع الأهلي في المجال الدعوي والتربوي حتى تسند جهود العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية، وإفساح المجال للجمعيات والحركات الإسلامية في إطار الضوابط الدستورية والقانونية وفي تكامل مع المؤسسات الرسمية، وفتح حوار يؤدي إلى قيامها بأدوار بناءة في هذا المجال بما من شأنه أن يؤدي إلى إغلاق الطريق في وجه كل أنواع الغلو الدينـي والتطرف اللادينـي.سن البرامج التي تدعم التدين والأخلاق في المجتمع وتقيم أحكامه ومقاصده في مختلف المجالات .
ب. المجال الدستوري و التشريعي :
إن تعزيز المرجعية الإسلامية سواء على المستوى الدستوري أو على المستوى التشريعي، مدخل أساس من مداخل الإصلاح، وأحد الشروط لإطلاق مشروع تنموي يضمن تعبئة قوية للإنسان المغربي مما يتطلب إعطاء النصوص الدستورية المتعلقة بالإسلام مدلولها الفعلي وأثرها الملموس في جميع جوانب الحياة وسن نص صريح يقضي بأن الإسلام هو المصدر الأسمى لجميع التشريعات والقوانين واعتبار كل ما يتعارض معها لاغيا، ومن تم العمل على ملاءمة القوانين والتشريعات مع أحكام الشريعة ومقاصدها مما يقتضي استعانة الحكومة والمؤسسة التشريعية في وضع مشاريع مقترحات القوانين ومناقشتها بالخبرة الشرعية.
ج. المجال التربوي والتعليمي:
أكد ميثاق التربية والتكوين على المرتكزات الإسلامية لنظام التربية والتكوين وهو ما يجعل من تجسيدها في شكل مشاريع وإصلاحات وترجمتها على مستوى المناهج والبرامج من أهم مقومات ترسيخ وتعزيز هويتنا الحضارية وتمتين وحدتنا الوطنية. وتتأكد هذه المسألة في العلاقة بالتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها بلادنا في هذه المرحلة، تحديات العولمة الثقافية ومخاطرها على الهوية الوطنية، وتحديات تيارات الغلو والتطرف التي تسيء إلى صورة الإسلام والمسلمين، وهو ما يقتضي أن تضطلع المناهج التربوية بدورها في تحصين الشباب من مخاطر الإفراط أو التفريط أو الغلو الديني والتطرف اللاديني، مما يتطلب تعزيز المضامين الإسلامية وتوفير حد أدنى منها في جميع مؤسسات التعليم وتوفير الثقافة الإسلامية الصحيحة سواء في التعليم العمومي أو الخاص أو مؤسسات البعثات.
د. المجال الثقافي:
اعتبارا لأهمية البناء الثقافي ودوره في المحافظة على معالم ومقومات الشخصية الوطنية في مواجهة سلبيات العولمة الثقافية الجارفة الساعية إلى تنميط الأفكار والأذواق مما يعتبر خطرا على الثقافة التي لا تكتسب قوتها إلا من خلال التنوع والتلاقح وتعدد الإسهامات، حتى تكون قادرة على التفاعل الخلاق مع الثقافات الإنسانية في إطار من الأخذ والعطاء لا في إطار من الهيمنة والإقصاء.
ونظرا للدور الجوهري للثقافة في بناء الإنسان فكرا وذوقا وسلوكا باعتباره حجر الزاوية في كل عملية تنموية، فإننا نرى أن النهوض بالثقافة المغربية في مرجعيتها الإسلامية وفي مكوناتها وأبعادها المختلفة مدخل من مداخل تعزيز الأصالة المغربية.
ونرى أن العناية باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ولغة الوحدة الوطنية والعناية بالأمازيغية لغة وثقافة، وتعزيز وجودهما في مجالات الإدارة والتعليم والإعلام والعناية بمختلف مظاهر تراثنا الثقافي الشعبي وتراثنا المعماري من بين المداخل الأساسية لبناء ثقافة أصيلة. ولن يتم ذلك بدون استراتيجية ثقافية تكون إحدى أولوياتها القريبة الوصول إلى النسبة المتعارف عليها عالميا في مجال الإنفاق على الثقافة أي 1% من الناتج الوطني الخام، وتتجه إلى توفير البنيات الثقافية الأساسية، وتقوم على سياسة أساسها مبدأ العدالة في توزيع تلك البنيات على الجهات واستراتيجية وطنية لتشجيع القراءة وإعادة الاعتبار للكتاب والحفاظ على التراث الثقافي الوطني.
ه. المجال الإعلامي:
لقد أصبح الإعلام اليوم يزاحم كثيرا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة على مستوى التثقيف والتوجيه وغرس القيم والتوجهات، وغدا اليوم من أخطر الأدوات المستخدمة من لدن العولمة الثقافية لفرض نموذج واحد يلغي التعدد والتنوع الثقافي. ولقد فرض تطور تكنولوجيات الإعلام وعولمته على المغرب الانخراط في مسلسل تحرير الفضاء السمعي البصري وإنهاء احتكار الدولة له مما نعتبره لبنة في تجاوز حقبة معاناة الإعلام من التبعية المطلقة للحكومة وتجاوز المقاربة الأمنية بما تعنيه من سعي للتحكم في الرأي العام وصناعته وإحصاء أنفاس الكلمات والتعليقات والصور والبرامج التي لا تطابق ولا تساير الرؤية الرسمية في مختلف المجالات.
ولذلك يشكل النهوض بالإعلام الوطني أحد المداخل الأساسية في بناء الشخصية الوطنية وتنميتها وأحد المداخل الأساسية الداعمة للمجهودات التنموية والمفعلة لها. وذلك لن يتأتى إلا ضمن إستراتيجية شاملة وبناء سياسة تواصلية تمكن من الوفاء بمقتضيات بناء الشخصية الوطنية والمحافظة على مقوماتها وبمقتضيات المنافسة التي أصبحت مفروضة في هذا المجال. ويتعين أن تراعي تلك السياسة مبدأ دمقرطة الوسائط الإعلامية وضمان حق جميع المواطنين في الإخبار والتثقيف والترفيه الهادف وحق جميع الجهات في التغطية بما يتطلبه ذلك أيضا من تنوع في المضامين والاستجابة لمختلف الحاجيات ومراعاة الدور التربوي والثقافي للوسائط الإعلامية وأن تكون فضاء يعكس تعدد الاجتهادات السياسية والثقافية مما يجعل منها مجالا لتعزيز، قيم الأصالة وقيم الحوار والتعدد في إطار الوحدة الجامعة.
II. تعزيز سيادة المغرب واسترجاع إشعاعه الحضاري
يرى حزب العدالة والتنمية أن التوجهات التي ينبغي أن تحكم السياسات الداخلية والخارجية للدولة ينبغي أن تقوم على تعزيز سيادة المغرب وتتناسب مع الدور الحضاري والإشعاع التاريخي الذي اضطلع به تاريخيا ومع ما يفرضه انتماؤه العربي والإسلامي والإفريقي وموقعه الاستراتيجي والتزاماته الدولية.
1. السيادة. .مبادئ ومنطلقات
إن السياسة الخارجية لبلادنا وجب أن تراعي المبادئ والمنطلقات التالية:
- صيانة وتقوية الوحدة الوطنية شعبا وأرضا.دعم كل أشكال التكتل الجهوي في العالمين العربي والإسلامي، ومقاومة كل نزعة انفصالية أو محاولة خلق كيانات ودويلات صغيرة فيه.اعتماد مبدأ الحوار في حل مشكلات الحدود الترابية بين الدول العربية والإسلامية وتقوية وتفعيل دور المنظمات الجهوية واجتناب تدويل الأزمات. التأكيد على مبدأ حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى استخدام القوة لفض الخلافات.العمل على تفعيل مبدأ التضامن بين الشعوب والدول الإسلامية وتقديم الدعم اللازم لقضاياها.دعم تواصل المغرب وعلاقاته بعمقه الإفريقي والعربي والإسلامي.دعم حركات التحرر الوطني التي تكافح كفاحا مشروعا من أجل تحرير أوطانها وتحقيق استقلالية إرادتها السياسية والاقتصادية التمييز بين المقاومة ضد الاحتلال باعتبارها حقا تكفله الشرائع السماوية والمواثيق الدولية وبين الإرهاب وخاصة إرهاب الدولة المنظم كما يمارسه الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني.دعم مبادئ التعاون الدولي والانفتاح على الأمم الأخرى والتعارف معها، واحترام مبادئ حسن الجوار وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليةبناء العلاقة مع الدول الكبرى على أساس شراكة حقيقية محكومة بمبادئ الاعتراف المتبادل وبالحق في الاختلاف، بشكل يؤدي إلى تحقيق المصالح المشتركة للطرفين.
2. السيادة.. توجهات واختيارات
تتلخص توجهات حزبنا في هذا المجال فيما يلي:
- العمل على الرقي المتواصل بالدبلوماسية المغربية الرسمية والتأهيل المتواصل لها بما يتلاءم مع التطورات السياسية والدبلوماسية في العالم ودعم الدبلوماسية الشعبية وتفعيل دورها في الدفاع عن وحدة المغرب وسيادته وقضاياه في المنتظمات الدولية وعن مصالحه الاقتصادية مما يقتضي أيضا نهوضا بالدبلوماسية الاقتصادية.العمل على تفعيل الاتحاد المغاربي وتقوية مؤسساته كتكتل جهوي من شأنه أن يقوي بلدان الاتحاد في التعامل مع مختلف التكتلات ويسهم في حماية المنطقة من الأخطار التي تهددها.العمل على تفعيل ميثاق الجامعة العربية وتقوية مؤسساتها من أجل تعزيز التضامن العربي وإزالة كافة الأسباب التي تعرقل التكامل بين الشعوب والدول العربية.العمل على بث الفاعلية في منظمة المؤتمر الإسلامي وهيئاته الموازية من أجل تحقيق أقصى أشكال التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدول الإسلامية وتحقيق التكامل بينها في هذه المجالات.دعم التعاون بين المؤسسات السياسية الشعبية والأهلية في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم كله.اعتبار قضية فلسطين أم القضايا العربية والإسلامية وتفعيل دور الشعوب في مساندة الشعب الفلسطيني حتى ينال حريته ويسترجع كافة حقوقه، والعمل على إيقاف كل أشكال التطبيع السري والعلني والسعي لاستجلاب دعم دولي لفرض عقوبات على الكيان الصهيوني لإجباره على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.الاهتمام بإفريقيا باعتبارها عمقا استراتيجيا للمغرب في حدوده الجنوبية وتحريرها من هيمنة القوى الدولية الغالبة وجعلها في خدمة الشعوب وأداة لإحلال السلام وتحقيق التنمية في العالم.العمل على إعادة الاعتبار والمصداقية للمنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة وذلك بدمقرطتها من خلال تقوية صلاحيات الجمعية العمومية، والسعي لإصلاح نظامها بما يحد من هيمنة بعض الدول الكبرى التي توظفها لمصالحها.
III. تعزيز البناء الديمقراطي وإنجاز الإصلاح السياسي
لقد عاش المغرب بعد الاستقلال صراعا سياسيا دام حوالي ثلاثة عقود مما فوت فرصا كبيرة حالت دون انطلاقة حقيقية لمسلسل تنموي شامل. وإذا كان المغرب قد استطاع أن ينهي تلك الحالة من الاحتقان السياسي، وأن يدخل في مرحلة الانفتاح السياسي، فيمكن القول إننا لم نستطع بعد أن نقطع مع آثار تلك التجربة ومخلفاتها مما جعل مسلسل الإصلاحات السياسية يعرف حالات من المد وحالات من الجزر. ولذلك يرى حزبنا أن إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي ببلادنا يمر عبر تأهيل شامل لمختلف المؤسسات سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى التنفيذي، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية وتعبئة شعبية وطنية شاملة وراء برنامج للإصلاح الدستوري والسياسي وتوطيد الحريات وتعزيز حقوق الإنسان وتأهيل الحياة السياسية والحزبية وتخليق الحياة العامة وتنمية ودعم المجتمع المدني.
1. البناء الديموقراطي والإصلاح السياسي..مبادئ ومنطلقات
أ. الديمقراطية وحقوق الإنسان:
إن التوجه الديمقراطي لحزبنا هو توجه أصيل وضارب في الجذور الأولى لقيامه باعتباره حركة سياسية قامت ضد الإقصاء والسعي إلى فرص هيمنة الفكر الوحيد والحزب الوحيد. لقد نشأ حزبنا في سياق مناهضة الديكتاتورية والسعي للاستئثار بالساحة السياسية والاعتداء على الحقوق الأساسية للمواطنين ومنها حرية تأسيس الأحزاب وحرية التعبير. كما ناهض حالة الاستثناء التي جمدت دور المؤسسة التمثيلية للشعب، ورفض الانخراط في مسلسل الزيف والتزوير للإرادة الشعبية الذي ميز الاستحقاقات التي عرفتها البلاد في بداية تجربتها الديموقراطية وهو ما حفظ لحزبنا مصداقية سياسية جعلته محط ثقة فئات واسعة من الشعب المغربي.
ويعتبر حزب العدالة والتنمية أن الاختيار الديمقراطي القائم على إقرار سيادة الشعب وعلى تعددية حزبية حقيقية وتداول على السلطة في إطار تكافؤ شروط المنافسة بين الجميع من أهم المداخل لنهضة شاملة.
وحزب العدالة والتنمية الذي نشا في سياق مناهضة الديكتاتورية في بداية الاستقلال وناضل من أجل إقرار قانون الحريات ما فتئ يجعل من الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية إحدى ركائز حركته السياسية ونضاله الديموقراطي.
وإذ يؤكد حزبنا تثمينه لما تحقق للإنسانية من رصيد في مجال حقوق الإنسان وهو الأمر الذي ترجمته عدة إعلانات ومواثيق دولية، فإن ذلك لا يمنعه من التأكيد على رفضه لكل التأويلات الساعية إلى إلغاء الخصوصيات الدينية والحضارية للشعوب والسعي إلى فرض تصورات تعكس رؤى فلسفية متعارضة مع الفطرة الإنسانية السليمة ومهددة للنسيج الاجتماعي. كما يؤكد حزبنا أنه إذا كانت حقوق الإنسان مطلبا عاما وضرورة إنسانية مشتركة فإن بعض القوى الكبرى لا تتعامل معها إلا كذريعة إيديولوجية تسعى من خلالها إلى ضمان مزيد من الهيمنة على خيرات الشعوب وتبعيتها.
كما تستند رؤيتنا لحقوق الإنسان إلى رعاية التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق الجماعة والمجتمع، وبين المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات إذ أن حقوق البعض هي واجبات للآخرين. وحقوق الإنسان لا تعني الحقوق السياسية وحدها بل تشمل أيضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إذ أن الحقوق السياسية التي لا توفر للإنسان العيش الكريم تظل منقوصة ومهددة.
ب. التدرج في الإصلاح:
إن حزبنا إذ يؤكد على أهمية الإصلاح السياسي كمدخل أساسي لباقي الإصلاحات يعتبر أن الإصلاح الناجع يخضع لقاعدة التدرج والتراكم. فالتدرج سنة تحكم الظواهر الطبيعية والإنسانية والاجتماعية. ومراعاة هذا القانون والأخذ به في مجال التغيير السياسي والاجتماعي هو أولى، حيث تتميز الظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية بطابعها المعقد والتراكمي. وتثبت التجارب التاريخية أن السعي للقفر على هذا القانون وتلك السنة كان مصير أصحابه الفشل والاصطدام بالواقع العنيد، بحيث لا يخدم قضية الإصلاح بقدر ما يؤخرها حقبا طويلة.
غير أن التدرج في الإصلاح السياسي لا يتعارض مع وضوح الرؤية ووضوح الأهداف فيما يتعلق بإقامة الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. والتدرج عملية بناء متواصلة ومثابرة تنأى عن السقوط في نزعة مغامرة تعصف بالمكتسبات وتعجز عن تحقيق أدنى الإنجازات كما أنها لا تعني التصالح مع واقع التخلف والفساد وسائر أنواع الاختلال.
ج. التعاون مع قوى الإصلاح داخل المجتمع:
وإذا كانت مهمة الإصلاح مهمة معقدة تحتاج إلى تدرج فإنها تحتاج أيضا إلى تكاتف كل القوى الإصلاحية التي تسعى إلى خير البلاد والتي تؤمن بالديمقراطية والتغيير السلمي. فمتطلبات التغيير والإصلاح أكبر من أن تدعي منظمة سياسية أو حزبية واحدة القدرة على النهوض بمتطلباتها.
ولإيمان حزبنا الراسخ بالتعددية والديمقراطية، فإنه يرى أن اختلاف الرؤى والمناهج والبرامج السياسية وجب أن يكون مدعاة للتنافس في الخير والتدافع الحضاري من أجل خدمة المصلحة الوطنية العليا. إلا أننا نميز بين الاختلافات السياسية الموضوعية التي تسهم في إنضاج الفكر والممارسة السياسيين بالبلاد، وبين الاختلافات التي تؤدي إلى بلقنة الحياة الحزبية والسياسية والتشكيك في جدواها.
وفي منظورنا فإن من علامات نضج الممارسة السياسية اتساع نطاق الأرضية المشتركة بين مختلف مكونات الساحة السياسية، والتقلص المتزايد لدائرة الخلافات المبنية على المصالح الذاتية والشخصية بما يؤدي إلى إعادة هيكلة الحياة الحزبية على أسس مذهبية وسياسية واختيارات موضوعية ، وذلك من مداخل إعادة الجدوى والمصداقية للحياة السياسية.
2. البناء الديمقراطي وإنجاز الإصلاح السياسي..توجهات واختيارات
أ. الإصلاح الدستوري:
يعتبر حزبنا أن العلاقة بين الحاكمين والمحكومين قابلة للتقنين والتطوير باستمرار في إطار ما يحقق قيام كل طرف بواجباته ونيله لحقوقه وما يضمن استقرار البلاد والمصالح العليا للوطن. ولذلك فإن قضية الإصلاح الدستوري ستظل قائمة باستمرار من أجل تحقيق أفضل صورة للمشاركة الشعبية وتحقيق أفضل صورة من صور الرشد في العلاقة بين الحاكمين والمحكومين.
غير أن أي إصلاح دستوري وجب أن يتم في إطار من التوافق وليس في جو الصراع والمنازعة الذي خيم على العلاقة بين مكونات الساحة السياسية لفترة طويلة. كما وجب أن يتجه إلى تحقيق توازن بين السلط وتمكين الحكومة من صلاحيات أوسع في وضع السياسات وتنفيذها وتقوية مؤسسة الوزير الأول وتأكيد وتعزيز الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء وتطوير نظام الجهوية وتعزيز الصلاحيات الممنوحة للجهات بشكل تكاملي ومتوازن، وإصلاح النظام البرلماني بما يضمن فاعليته ويوسع سلطاته في ميدان التشريع وفي ميدان مراقبة السلطة التنفيذية.
ب. الإصلاح السياسي:
أما في المجال السياسي فإن حزبنا يؤكد على مواصلة عملية التأهيل السياسي والحزبي وتأسيس انتقال ديمقراطي حقيقي يقطع مع سلبيات وخلفيات المرحلة السابقة وهي العملية الضرورية واللازمة من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي في المجتمع، وتهيئ شروط المشاركة الشعبية والوطنية الواسعة.
ويشمل التأهيل السياسي في منظور حزب العدالة والتنمية مزيدا من التطوير والإصلاح للنظام الانتخابي وبناء مؤسسات قوية ذات مصداقية وتطوير فعاليتها التشريعية والرقابية وتوسيع صلاحيتها، وبناء أداة حكومية قوية ومنسجمة على أسس معايير الكفاءة والمصداقية في إسناد المناصب الوزارية وتطوير العمل بالتخطيط في وضع السياسات العامة وتوفير المناخ القانوني لإصلاح النظام الحزبي وتجاوز مختلف مظاهر الميوعة في الحياة الحزبية والسياسية.
ج. توطيد الحريات العامة:
لقد قطعت بلادنا أشواطا مهمة في مجال حقوق الإنسان وتوطيد الحريات العامة، وقد تجلى ذلك في الجهود التي بذلت من أجل طي صفحة ملف الاعتقال السياسي وطي صفحة الماضي ووضع كثير من الآليات القانونية والإدارية لتوسيع فضاء الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئات للتحكيم والتعويض والإنصاف والمصالحة وديوان المظالم والمصادقة على كثير من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان والسعي إلى ملاءمتها مع التشريعات الوطنية.
غير أن تلك المكتسبات لا تزال تحتاج إلى توطيد ودعم وتحصين من التراجعات التي تظهر من حين لآخر خاصة على صعيد الحريات العامة المتعلقة بالحق في تأسيس الجمعيات وتنظيم التجمعات العمومية وضمان الحريات الإعلامية والصحفية، وتوفير شروط المحاكمة العادلة في كثير من الأحيان، وغير ذلك من مظاهر الحريات الفردية والعامة، مما يفرض مواصلة النضال من أجل توطيدها. ومن ذلك العمل على إنهاء حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب والتضييق والاختطاف، وصيانة الحق في التعبير بمختلف الوسائل المشروعة، والحق في المشاركة السياسية وتأسيس الجمعيات والأحزاب، والحق في اختيار المسؤولين ومحاسبتهم والحق في شغر الوظائف العامة على ضوء معايير الكفاءة والقدرة والقانون، والحق في استعمال الوسائل الإعلام العمومية ودمقرطتها وإنهاء احتكارها لفائدة البعض.
د. تخليق الشأن العام:
إن عملية التطوير الديمقراطي لبلادنا لا يمكن أن تتم في غياب سياسة واضحة لتخليق الحياة العامة وذلك يقتضي تحقيق الشفافية في تدبير الشأن العام، ومحاصرة ظواهر استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وتثبيت مبدأ المحاسبة على المسؤوليات والقرارات والتوقف عن العمل بنظام الامتيازات، والمساواة بين المواطنين في الفرص على جميع المستويات بما يؤدي إلى القضاء على سلوك الإقصاء وسيادة الزبونية والمحسوبية الحزبية والمصلحية في إسناد المهام والمسؤوليات الإدارية والوظيفية والحل الشامل لمشكلة الفساد المالي بالمؤسسات العمومية. وبقدر ما يعتبر حزبنا أن ذلك يحتاج إلى مؤسسات وإجراءات وتدابير قانونية، فإن التخليق وجب أن يتأسس على مقاربة شاملة تركز على الإنسان في المستويات الاجتماعية و الثقافية والتربوية من خلال إشاعة الأخلاق والقيم الدينية وقيم المواطنة في المدرسة والإعلام.
ه. تنمية المجتمع المدني:
اعتبارا للدور التنموي للمجتمع المدني وأهميته في تطوير النظام الديمقراطي وفي تعبئة المواطنين للإسهام في تدبير الشأن العام، يؤكد حزبنا على دعمه لهذا المجال الحيوي ويعتبر ذلك مهمة وطنية في مشروع النهضة الشاملة. ولقد عرفت العقود الأخيرة تزايدا ملحوظا في دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال تدبير كثير من شؤون المجتمع الاقتصادية والتنموية، في الوقت الذي تم فيه تجاوز التصور التقليدي للدولة الذي يجعل منها مهيمنة على مختلف مناشط المجتمع. فأصبح لزاما على المجتمع أن يأخذ زمام المبادرة في تدبير كثير من شؤونه وقضاياه.
والاهتمام بالمجتمع المدني يتماشى مع توجه أصيل في ثقافتنا وتجربتنا التاريخية يجعل المسؤولية متقاسمة ويعتبر كل فرد من أفراد المجتمع راعيا ومسؤولا، مما يقتضي تعزيزا لهذا التوجه وترسيخا لثقافة المشاركة والمسؤولية، ولذلك يتعين سلوك سياسية قائمة على مزيد من إشراك المجتمع ومِؤسساته في تدبير الشأن العام محليا ووطنيا وسن التشريعات والقوانين المساعدة على ذلك.
و. إقرار السلم الاجتماعي :
إن إقرار السلم الاجتماعي من الشروط اللازمة لتوفير مناخ إيجابي للاستثمار باعتباره أحد شروط التنمية المستديمة، وهو السلم الذي لن يتأتى دون تعاقد اجتماعي بين مقاولة مواطنة ملتزمة بحماية الحقوق الاجتماعية للشغيلة، ونقابة مواطنة باعتبارها شريكا في العملية الإنتاجية ومعنيا بمشروع التنمية، والدولة كوسيط اجتماعي وكساهر على حسن تطبيق مقتضيات الشغل وتطويرها بما يضمن متانة السلم الاجتماعي واستمراريته.
IV. الإسهام في تحقيق تنمية شاملة و مستديمة
لقد استأثر موضوع التنمية باهتمام كافة القوى الوطنية كل حسب مرجعيته الفكرية ومشروعه المجتمعي ومقاربته المنهجية. غير أنه بعد مرور أربعين سنة على الاستقلال لا تزال بلادنا تواجه عدة تحديات جعلتها في مراتب متدنية من سلم التنمية البشرية.
إن تصورنا للتنمية ينطلق من ضرورة بناء اقتصاد متكامل ومندمج يهدف إلى سد الحاجيات الأساسية للمواطنين ويقيم التوازن بين القطاعين الخاص والعام في إطار يخدم المصلحة الوطنية ويمكن الجميع من الإسهام في دورة الإنتاج والانخراط في مسلسل التنمية ويقوم على التدبير العقلاني والمناسب للثروات وعلى التوزيع العادل لها بين الأفراد والفئات وبين الأقاليم والجهات وبين البادية والمدينة، ويمكن ذوي الدخل المحدود من الاستفادة من ثمار النمو. وينطلق حزبنا في تصوره للتنمية من المبادئ التالية:
1. التنمية. مبادئ ومنطلقات
أ. الإنسان أساس التنمية
إن التنمية في منظور حزب العدالة والتنمية تتعدى المفهوم التقليدي إلى مفهوم أبعد مدى وأعمق دلالة، يرتكز على الإنسان كأساس لكل إصلاح منشود ومن تم نرى أن التنمية وجب أن تمس الإنسان في كافة أبعاده الروحية والفكرية والسلوكية فذلك هو المنطلق لتحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن مقاربة حزبنا لمفهوم التنمية مقاربة تتقاطع فيها أبعاد المرجعية والهوية والثقافة مع الأبعاد المالية والاقتصادية والاجتماعية على اعتبار أن الإنسان هو غاية التنمية وأساسها في نفس الوقت. وهي المقاربة التي تؤكدها الدراسات الحديثة التي تعتبر الموارد البشرية موارد إستراتيجية في كل عمل تنموي.
ب. الانفتاح الاقتصادي:
وهذا الانفتاح يجد مبرراته الموضوعية أولا في الموقع الاستراتيجي للمغرب الذي ظل على مر التاريخ منفتحا اقتصاديا وتجاريا على محيطه المتوسطي و الأوروبي و الإفريقي. يضاف إلى ذلك اعتبار واقعي يشهد له التطور المعاصر الذي أصبح من غير الممكن معه أن ينمو اقتصاد مجتمع من المجتمعات في انغلاق على نفسه فضلا على مراهنة المغرب منذ الثمانينات على خيار الانفتاح الاقتصادي بعد عقدين من تدخل الدولة كفاعل اقتصادي. والانفتاح الاقتصادي لا يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة دون تأهيل للنسيج الاقتصادي الوطني بما يجعله قادرا على تنويع الإنتاج وتحسينه ومن تم تأمين قدرته على المنافسة التي يفرضها اقتصاد السوق والتجارة الحرة.
ج. المبادرة الحرة:
إن التأمل في التجارب الإنسانية في المجال الاقتصادي وما أدت إليه من تأرجح بين الخيار اللبيرالي المطلق القائم على إعطاء الحرية غير المحدودة للفرد، وللملكية الفردية ولاقتصاد السوق وما أفضى إليه ذلك من ليبرالية متوحشة، وبين الاقتصاد الموجه الذي يكبل المبادرة الفردية ويقتل المنافسة ويقود إلى الشلل الاقتصادي، يدفعنا إلى التأكيد على اختيار وسطي يثمن ويدعم المبادرة الفردية ودور القطاع الخاص في التنمية ويِؤكد على دور الدولة كفاعل اقتصادي.
د. دور الدولة ودور القطاع الخاص:
إن تأكيد حزب العدالة والتنمية على المبادرة الحرة ودور القطاع الخاص ليس معناه إلغاء دور الدولة ومسؤوليتها في مجال تنشيط الاقتصاد ولا إلغاء مسؤوليتها الاجتماعية، أو إلغاء دورها كفاعل اقتصادي في القطاعات الإستراتيجية التي قد لا يهتم بها القطاع الخاص. ويتحدد دور الدولة في منظور حزبنا في الأدوار التالية:
v دور التنشيط الاقتصادي:
وهو دور لا يتأتى إلا إذا تولت الدولة تهيئة الشروط اللازمة للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي. ومن بين هذه الشروط العمل على توفير البنيات والتجهيزات الأساسية للتنمية الاقتصادية باعتبارها شرطا من شروط توفير تنمية شاملة ومستديمة، وبما يقتضيه ذلك من رفع استثمارات الدولة في هذا المجال وتعبئة كل الموارد الوطنية لهذا الغرض. وينبغي أن يكون من مهام الدولة أيضا العمل على تهيئ مناخ ملائم للاستثمار وذلك بتبسيط المساطر وإصلاح القوانين وتذليل الصعوبات في وجه الاستثمار.
v معالجة الاختلالات الاجتماعية:
وذلك بمراقبة المجال الاقتصادي والحرص على شروط المنافسة النزيهة ومنع الاحتكار وإحداث التوازن بين الفئات الاجتماعية وخاصة تلك التي لم تستطع أن تندمج في سوق الشغل. كما يقتضي وضع سياسات شمولية من أجل الحد من مظاهر التفاوت الاجتماعي وإعطاء الأولوية لسياسات تنموية واجتماعية لفائدة الجهات والفئات الأكثر تضررا، ووضع سياسات تضامنية تمكن من تنزيل مبادئ ديننا الحنيف وأخلاقنا الاجتماعية وقيمنا الحضارية في مجال التضامن والتكافل الاجتماعي وحث المجتمع المدني وإفساح المجال له للاضطلاع بدوره في هذا المجال. ومن ذلك أيضا العمل على إخراج الزكاة وتنظيم جمعها وتوزيعها وهو أمر لو تحقق سيمكن من صرف ما لا يقل عن ربع عشر الناتج الوطني الخام في مجال إعادة التوازن الاجتماعي ويدخل في هذا الباب أيضا سن ما هو ضروري من القوانين والالتزامات الكفيلة بتحقيق التضامن الاجتماعي.
ه. الشراكة الاقتصادية :
وإذا كان لمبدأ الشراكة بعد عمودي يرتبط بدعم التوجه إلى ربط علاقات اقتصادية وإقامة شراكات حقيقية قائمة على رعاية المصالح المشتركة والاحترام، فإنه من اللازم العمل على تنويع الشركاء الاقتصاديين مما يعني الانخراط ودعم كل أشكال التعاون الاقتصادي الجهوي وتدعيم علاقات التعاون الاقتصادي مع البلدان العربية والإسلامية وبلدان العالم الثالث.
و. إعادة الاعتبار لقيمة العمل :
وذلك باعتباره أساسا للكسب والتملك المشروع والحث على الاستثمار ومحاربة الاكتناز الذي يمثل خطرا على الدورة الاقتصادية ويحرمها من مصادر التمويل الضرورية والعمل على تشجيع المخاطرة بالاشتراك في النشاط الاقتصادي سواء بالمال أو العمل على أساس أن الخراج بالضمان أي أن العائد لا يحل إلا بتحمل المخاطرة.
2. التنمية .. توجهات واختيارات
وانطلاقا من هذه المبادئ والمنطلقات فإننا نرى في حزب العدالة والتنمية أن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستديمة يمر من خلال عدة إصلاحات جوهرية نحددها فيما يلي:
أ. تأهيل الموارد البشرية:
ب. تشجيع الاستثمار :
إن تشجيع الاستثمار أمر حيوي وأساسي لأهميته في تحقيق التوازنات الاقتصادية الأساسية ولتأثيره المباشر في معدل النمو ونسبة التشغيل ومعدل الدخل والاستهلاك بما يفرضه ذلك من عمل على إصلاح القوانين المنظمة لهذا المجال، وتبسيط المساطر وتخليق الإدارة والعمل على حل أسباب التوتر الاجتماعي وتشجيع وتطوير نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة .
ج. القضاء على اقتصاد الريع:
وذلك من خلال محاربة اللوبيات ونظام الامتيازات وما يرتبط بها من زبونية ومحسوبية في تفويت الامتيازات والصفقات واحترام المقتضيات القانونية والشفافية وقواعد المنافسة الشريفة والمردودية والجودة أساسا في تدبير الأنشطة الاقتصادية.
د. تأهيل المقاولة المغربية:
إن تأهيل المقاولة من الشروط الأساسية لتأهيل الاقتصاد الوطني، باعتبارها قطب الرحى في الإنتاج وصنع القيمة المضافة. وهذا التأهيل يتمحور حول محورين أساسيين مناخ المقاولة الاقتصادي العام والتشريعي والمؤسساتي والتمويلي والمالي، والمقاولة ذاتها بشريا وعلميا وتكتنولوجيا،
ه. تأهيل اليد العاملة :
إن تأهيل اليد العاملة باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات العملية الإنتاجية من أهم الشروط التي تلعب دورا حاسما في جلب الاستثمارات ولامركزة الصناعات وإن أي مراهنة على جعل المغرب أرضية للتصدير لن يتأتى إلا عبر تأهيل اليد العاملة اجتماعيا ومهنيا وعلميا.
و. إصلاح النظام المالي:
إن أي إصلاح لا يمكن أن يؤتى ثماره دون إصلاح المالية العامة، وبالتالي فإننا نرى أنه لا بد أن تتحول الميزانيات إلى أداة لتحقيق التنمية وذلك يتطلب توفير شروط مؤسساتية وتقنية تحد من الانزلاقات التي اتسم بها تدبير المالية العمومية. ومن هذه الشروط ترشيد النفقات العمومية الموجهة للتسيير، وتخليص الميزانية من الاعتماد الكلي على موارد غير قارة لتغطية النفقات والحد من اللجوء إلى المديونية الخارجية والداخلية، وتوسيع الوعاء الضريبي والعمل على التخفيف من الأعباء الضريبية من أجل الرفع من القدرة الشرائية وتقوية الرقابة الإدارية والرفع من مستواها ومتابعة تنفيذ خلاصتها ونتائجها، وتطبيق نظام راتب للافتحاص الشامل للمالية العمومية لإبراز مكامن الضعف ومكامن القوة و تقوية الرقابة البرلمانية على المؤسسات العمومية.
ز. تليين التوازنات الاقتصادية الكبرى:
إن الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى مسألة حيوية بالنسبة للاقتصاد، إلا أن الحفاظ عليها بشكل جامد ضمن نظرة أرتودوكسية تجعلها هدفا في حد ذاتها قد يكون معيقا لتنشيط الاقتصاد
ح. تفعيل دور الزكاة والوقف:
اعتبارا لكون الزكاة ركنا من أركان الإسلام، وبناء على أهميتها الدينية والاجتماعية ولدورها في محاربة الفقر وترسيخ قيم التضامن الاجتماعي يتعين إعادة الاعتبار لها بما يؤدي إلى تحقيق مقاصدها الشرعية والاجتماعية. وإن عدم دمج الزكاة في المجال الاقتصادي وذلك بعدم تنظيم جمعها وتوزيعها واستثمارها قد فوت على المجتمع المغربي الاستفادة من دورها التنموي والاجتماعي ولذلك يرى حزبنا ضرورة العمل على إحداث مؤسسة للزكاة مستقلة ماليا وإداريا للإشراف على تحصيلها واستثمارها وفق الأنظمة المعاصرة في التسيير والاستثمار.
واعتبارا لدور الوقف وأهميته الدينية والاجتماعية يتعين نشر الوعي بأهميته وإنشاء مؤسسة خاصة به مستقلة إداريا وماليا بنفس مواصفات مؤسسة الزكاة والعمل على ضبط رصيد الممتلكات والموارد المالية للأوقاف وتوجيه عملية صرفها في المجالات المخصصة لها ودعم الدور الاجتماعي للأحباس حتى يسهم في تحمل قسط من الأعباء الثقيلة للمجالات التعليمية والصحية والتجهيزية.
ط. دعم القطاعات الاقتصادية ذات القيمةالمضافة:
v الصيد البحري:
وهو قطاع تدل المؤشرات الإنتاجية الخاصة به على أهميته المتزايدة في مشروع التنمية الاقتصادية الوطنية سواء كقطاع إنتاجي من شأنه الاستجابة لطلب داخلي متزايد في مجال تحسين قيمة تغذية المواطنين أو كقطاع مشغل، مما يقتضي صياغة استراتيجية وطنية واضحة في هذا المجال تقوم على بسط سيادتنا الوطنية على ثرواتنا السمكية وتحقيق العدالة في توزيعها بين الجهات والفئات والأجيال.
v القطاع الفلاحي:
باعتباره المشغل الرئيسي بالوسط القروي ويغطي نسبة معتبرة من الحاجيات الغذائية وذلك من خلال إنعاش الاستثمار الفلاحي وتعزيز سياسة التحفيز على المحاور ذات التاثير المباشر على التنمية الفلاحية والقروية وتأهيل الصناعات الفلاحية من أجل كسب قوة تنافسية ووضع استراتيجية لتنمية المجال الحيواني واستراتيجية للحفاظ على الثروة الغابوية وتنميتها وتهييئ المناخ العام لتحديث القطاع وتأهيله تقنيا وبشريا.
v قطاع النسيج:
وهو أحد القطاعات الأساسية في الاقتصاد الوطني لسببين أساسيين: قطاع مشغل بامتياز وقطاع يساهم في التصدير بنسبة كبيرة حوالي (30% من القيمة). ونظرا لما يواجهه هذا القطاع من منافسة شديدة خاصة الجنوب أسيوية فهو بحاجة إلى تحديث وعصرنة آلياته وتأهيل يده العاملة.
v تكنولوجيا المعلومات:
من خلال تطوير البنية الأساسية للاتصال والمعلومات وإعداد أجيال قادرة على التعامل مع هذه التكنولوجيا وتطويعها لخدمة التنمية، مما يقتضي العمل على تنمية الطلب الوطني الداخلي من أجل تنمية الاستثمار في هذا القطاع وإنشاء الحاضنات التكنولوجية وولوج عالم التجارة الالكترونية والتوجه للأسواق الخارجية من خلال التركيز على المجالات التي للصناعات المغربية فيها تنافسية عالية وعقد شراكات مع الشركات العالمية للمشاركة في مشروعات إنتاجية وخدماتية مع مثيلاتها المغربية، وتهيئة المناخ القانوني والتشريعي من أجل توفير الحماية للمبدعين والمنتجين والمسوقين والمستهلكين لخدمات تكنولوجيا المعلومات، وإعطاء صناعتها امتيازات نسبية في التشريعات المتعلقة بالضرائب والرسوم الجمركية.
V.إقرار عدالة اجتماعية
إن العدل في منظور حزب العدالة والتنمية ليس مطلبا اجتماعيا فحسب، بل هو أشمل من ذلك وأعم. فللعدل بعد خلقي يرتبط بالفرد أولا، إذ أنه مسلك أخلاقي نلتزم به في أنفسنا ومن مقتضياته الانتصاف من النفس، والموضوعية في الأحكام كما دلت على ذلك عدة آيات قرآنية مثل قوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
وللعدل بعد ثقافي وتربوي، يؤدي إلى فاعلية في السلوك الإنساني ومردودية عالية في الإنتاج،,
وللعدل بعد قضائي يتجلى في عدم التحيز في الحقوق وأداء الأمانات إلى أهلها وعدم الميل إلى أحد الأطراف نتيجة القرابة العائلية أو بسبب تبادل المصالح.
وللعدل أيضا بعد سياسي يتجلى في سلوك الحاكم الذي ينبغي أن يقيم العدل في الأمة، باستشارتها وإشراكها في اتخاذ القرار، والعدل في تنفيذ السياسات والقرارات التي تصدر عن الهيئات التمثيلية للشعب.
1. العدالة..مبادئ ومنطلقات
أ. العدالة ضمان الاستقرار:
إن تحقيق العدالة الاجتماعية شرط من شروط الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي وانخراط الجميع في مسيرة الإنتاج، وبدون العدل لا تستقيم أحوال المجتمعات ولا يقوم عمرانها.
ب. العدالة مسؤولية والتزام:
فالعدالة ليست مطلبا اجتماعيا وسياسيا فحسب بل هي قبل ذلك مسؤولية والتزام فكري ومنهجي وسلوك أخلاقي، ومردودية وفاعلية في مقابل الكلالة والعجز. إن العدالة سلوك وثقافة تشمل السلوك الفردي والعلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، كما تشمل أداء الحقوق والقيام بالمسؤوليات. ولذلك فكما أن العدل مبدأ ينبغي أن يحكم سياسة الدول والحكومات تجاه الشعوب فينبغي أن يحكم أيضا علاقة الشعوب بالحكام وعلاقات الأفراد فيما بينهم. ولذلك لم ينه الإسلام فحسب عن الظلم بل نهى عن التظالم أي عن الظلم بجميع أشكاله وفي جميع اتجاهاته
ج. العدالة تكافؤ في الفرص:
إن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا ببناء مجتمع تتكافأ الفرص فيه أمام جميع المواطنين وتتساوى فيه حظوظ استفادتهم من خيرات البلاد وثرواتها، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو تعلق بالفئات أو الجهات، حتى يكون لكل مواطن حقه بحسب حاجته ويستفيد بقدر جهده، بحيث لا يكون التفاضل والتمايز إلا على أساس العمل والاجتهاد.
د. العدالة تضامن:
إن التضامن الاجتماعي وجب أن يكون ثابتا من ثوابت كل سياسة اجتماعية وذلك من أجل بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية وروح التضامن والتكافل وتنتفي فيه الفوارق الطبقية الفاحشة والحقد الطبقي المدمر. فبما أن بعض الأفراد أو الفئات قد لا يكون بمقدورهم تغطية حاجاتها الأساسية إما لأسباب فطرية خلقية أو طبيعية طارئة أو نتيجة اختلالات اجتماعية، فإن إعمال مبدأ التضامن الاجتماعي وتحويله إلى سياسات وبرامج هو وسيلة من وسائل تقليص حدة الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الفاحشة بين الأفراد والفئات والجهات في مجتمع تحث مبادئه وثقافته على ذلك.
2. العدالة .. توجهات واختيارات
إن العدالة تقتضي إستراتيجية إرادية تتحمل فيها الدولة مسؤوليتها من خلال سياسة اقتصادية تسهم في توفير الشروط الأساسية لإنتاج الثروة وتراكمها، ومن خلال سياسة إرادية تتمثل في الاضطلاع بدورها في إحداث التوازن بين الجهات والفئات بما يضمن الحد الأدنى للعيش الكريم للأفراد والجماعات. فالحرص على إقامة التوازن الاجتماعي أحد أدوارها الرئيسية.
انطلاقا من هذه المبادئ فإن حزب العدالة والتنمية يناضل من أجل تحقيق ما يلي:
أ. عدالة قضائية
من خلال بناء قضاء قوي ومستقل، وذلك لن يتم إلا عبر معالجة شمولية لكافة والاختلالات التي يعرفها قطاع العدل سواء على مستوى المرجعية القانونية وملاءمئها مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وعلى مستوى ضمان استقلال القضاء وتقوية مكانة السلطة القضائية في النظام الدستوري ودعم استقلاليته، وضمان العدالة القضائية بمحاربة تفشي ظاهرة الرشوة والمحسوبية لدى بعض العاملين بالقطاع والعمل على إلزام الإدارات وجميع الأشخاص بتنفيذ الأحكام القضائية
ب. سياسة عادلة في مجال التشغيل:
وذلك اعتبارا لأهمية ضمان شروط الشغل والتكافؤ في فرص العمل في تحقيق عدالة اجتماعية، سمتها الرئيسية العمل على الحد من الفوارق وضمان العيش الكريم. وإن مواجهة آفة البطالة وخصوصا في صفوف الخريجين لن يتأتى في غياب مقاربة شمولية وسياسة ناجعة. ونرى أن معالجة معضلة التشغيل غير ممكنة في إطار منظور ضيق يحصرها في التوظيف. بل نرى أن الحل الجوهري لذلك يكمن في اقتصاد قوي يحقق مؤشرات تنموية مرتفعة باطراد وسياسة متكاملة محفزة للاستثمار الداخلي والخارجي وتهيئ المناخ المؤسساتي والإداري الملائم له، وتكوين عال ينتج يدا عاملة مؤهلة تأهيلا مناسبا.
ج. توزيع عادل للخدمات الصحية:
ومن أهم مجالات إقرار العدالة الاجتماعية تحقيق عدالة صحية تؤمن ولوج الجميع للخدمات الصحية مع إعطاء الأولوية في ذلك للعالم القروي والارتقاء بتدبير الموارد المادية والبشرية والتجهيزات والإمكانيات الصحية.وإرساء نظام عادل يمر عبر سياسة متكاملة في المجال تشمل التشريع والتدبير الصحيين والاستثمارات والبحث العلمي وأوضاع العاملين في القطاع، ويشكل تعميم التغطية الصحية من خلال تطبيق مدونة التغطية الصحية الأساسية وإصلاح نظام تمويل القطاع الصحي مع الرفع من الميزانية المخصصة للقطاع من أهم الآليات التي يمكن من خلالها إقرارا العدالة الصحية.
د. مجتمع متضامن في مواجهة الفقر:
إن مواجهة الفقر في منظور حزبنا وجب أن تقوم أساسا على بناء اقتصاد وطني قوي يضمن تنمية مستديمة ومطردة تمكن المواطنين بدون تمييز من الاستفادة من ثمرات النمو، كما تمكن من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية. ويتعين أن ينعكس ذلك التضامن أولا وقبل كل شيء في سياسات الدولة من خلال تخصيص نسبة من الدخل لبرامج محاربة الفقر. وفتح مجال الاستفادة من الخدمات الأساسية للفئات المستضعفة إضافة لإحياء روح التضامن الوطني ومعاني التكافل الاجتماعي داخل المجتمع المغربي في مواجهة العقلية المادية المرتبطة بالأنانية الفردية، وإيلاء عناية بالأشخاص والفئات ذوي الاحتياجات الخاصة وتعميم التغطية ضد المخاطر الاجتماعية.
ه. عدالة تعليمية وثقافية:
لقد أصبحت آفة الأمية الأبجدية والثقافية آفة مزمنة تتحدى جميع الجهود التنموية والمبادرات الإصلاحية. كما أنها من العوامل التي تجعل المغرب في الصفوف المتأخرة في سلم التنمية البشرية. وفي منظور حزبنا فإن محاربة الأمية هي رهان استراتيجي وحضاري يتعين وضعه في سلم الأولويات، وتعبئة كافة جهود وإمكانيات الدولة والمجتمع من أجل القضاء عليها في أفق زمني محدود.
وفي هذا الصدد يتعين توسيع تجربة محو الأمية في برامج الإعلام السمعي البصري وفي المساجد ووضع أنظمة تحفيزية من أجل تشجيع المواطنين على الإقبال عليها.
على أن المواجهة الجذرية لآفة الأمية والقضاء عليها في جذورها ينبغي أن تتوجه إلى دمقرطة التعليم وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص عبر عدالة تعليمية يستفيد العالم القروي منها على قدم المساواة مع العالم الحضري، وتستفيد منها الفئات الأكثر ضعفا، وذلك يقتضي إعادة النظر في مبدأ المجانية بما يؤدي إلى أن تتحمل الفئات الميسورة أعباء تعليم الفئات الأكثر فقرا. فإجبارية التعليم وجب أن تنطلق من مبدأ تكافؤ الفرص والتضامن في تحمل أعباء نفقاته.
و. عدالة أسرية وعائلية:
ينطلق حزبنا في تصوره للنهوض بأوضاع الأسرة المغربية من مبدأ ترسيخ العدل الاجتماعي في العلاقات العائلية والأسرية، ومن نظرة تكاملية للأسرة، وهي النظرة الكفيلة بتحصين الأسرة وضمان تماسكها وإقامة التوازن بين مكوناتها.
وفي هذا الصدد يؤكد حزبنا على ضرورة أخذ العبرة بمآل الأسرة في الغرب ومن المقاربة التي حكمت تعامله معها في كثير من الأحيان، وهي المقاربة التي انطلقت من نظرة صراعية وتجزيئية. إننا نؤكد على أن أكبر مكامن القوة في مجتمعاتنا العربية هو النظام الأسري والتضامن العائلي واستناد ذلك النظام إلى المرجعية الإسلامية التي عنيت بهذا المجال ضبطا وتفصيلا.
غير أن حزبنا يستحضر أيضا أن ثقافة عصور الانحطاط وواقع التخلف قد ألقى بثقله على فهم المجتمعات الإسلامية للأحكام الشرعية المتقدمة التي جاءت بثورة كبيرة في هذا المجال. وبقدر ما يؤكد حزبنا على اعتماد المرجعية الإسلامية وما تتضمنه من أحكام سبقت إلى مبدأ المساواة بين المرأة والرجل على ضوء القاعدة الشرعية القائلة “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، فإنه يؤكد على ضرورة بلورة اجتهاد أصيل وخلاق ومتواصل، يأخذ يعبن الاعتبار التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية.
ونظرا للحيف التاريخي الذي تعرضت له المرأة، والمتمثل في معاناتها أكثر من تفشي الجهل والأمية والظلم والتعسف وهضم حقوقها الشرعية والقانونية والاجتماعية، واستفحال استغلالها اجتماعيا واقتصاديا وجنسيا، فضلا عن ضعف حضورها في مراكز القرار السياسي والاجتماعي، فإن حزبنا يؤكد على التمييز الإيجابي لصالح المرأة لتجاوز تلك الفجوة التاريخية، مع التأكيد على أن الأصل وجب أن يكون هو تكافؤ الفرص بين الجنسين. كما يؤكد على إدخال إصلاحات متواصلة على مدونة الأسرة تراعي ما استجد من تطورات في الواقع الاجتماعي وما أظهرته التطبيقات من ثغرات في إطار اجتهاد مواكب يراعي مقاصد الشريعة القائمة في هذا المجال على قيم العدل وتكريم المرأة والطفل وإقامة الأسرة على أساس المودة والسكينة لا على أساس الصراع وتضارب المصالح بين مكوناتها.
كما يؤكد حزب العدالة والتنمية على التفاعل الإيجابي والخلاق مع المكتسبات الإيجابية التي تحققت للمرأة من خلال نضالها التاريخي في المجتمعات الغربية والذي أفرز مجموعة من المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بإزالة مختلف مظاهر التمييز ضد المرأة مع التأكيد أن ذلك التفاعل لا يمنعه من إبداء تحفظاته على بعض الأبعاد الفلسفية والإديولوجية المتعارضة مع الشريعة الإسلامية ومركزية نظام الأسرة فيها وخصوصياتنا الاجتماعية والثقافية، وهي الأبعاد التي تلاقي معارضة من لدن عدد من القوى داخل المجتمعات الغربية نفسها.
على أن واقع الأسرة يشهد مشكلات أخرى وجب أن تحظى بالعناية. إن هذه الخلية المركزية والأساسية في المجتمع والتي تقوم بأدوار اجتماعية وتربوية هامة في استمرارية قيم ومعايير المجتمع، وضمان تنشئة الأفراد تنشئة سليمة، تواجه عدة عقبات أمام إنشائها واستمرارها، كما يشهد لذلك تراجع أدوارها مع ظهور أشكال جديدة من التأطير والتنشئة الاجتماعية.
ومن جهة أخرى بدأت تتسرب إلى مجتمعنا بعض المظاهر السلبية مثل ظاهرة ضعف رعاية المسنين وتزايد دور العجزة وظاهرة العزوف عن الزواج والعلاقات الجنسية خارج نطاق العلاقات الشرعية. ولذلك يرى حزب العدالة والتنمية أن تحصين المجتمع من هذه الظواهر هو من الأولويات في مجال دعم هذه اللبنة الأساسية في البناء الاجتماعي.
كما أن رعاية الطفولة وتأمين حقوقها الأساسية في الغذاء والتربية والتعليم وسن التشريعات الكفيلة بحمايتها من الانحراف الاجتماعي والأخلاقي ومن الاستغلال الجنسي وسن برامج لتأهيل الأطفال الجانحين ودعم المؤسسات القائمة على ذلك، والرفع من التعويضات المخصصة للأطفال، وإشاعة ثقافة كفالة اليتيم والمتخلى عنهم، واعتماد وتنفيذ سياسات خاصة بأوضاع الطفولة المشردة، ووضع برامج ومخططات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تخدم مصالح الطفولة المعاقة وحقوقها وإعادة النظر في برامج تحديد النسل التي تهدد في المدى المتوسط الهرم السكاني، كل ذلك قضايا تشكل العناية بها مداخل لتحقيق استقرار الأسرة وأدائها لوظائفها الاجتماعية.
ز. عدالة عالمية وعولمة إنسانية:
والعدالة كما ينظر إليها حزب العدالة والتنمية تتجاوز العدالة الداخلية بل تقوم على الدعوة إلى إقرار عدالة عالمية تمكن كل شعوب العالم من الاستفادة من خيرات الأرض بدل استئثار أقلية داخل بلدان الشمال بالحصة الأعظم منها، الشيء الذي يكرس التفاوت ويزرع عدم الاستقرار العالمي، ومن تم يؤمن حزبنا بأهمية التعاون مع كل الحركات الداعية إلى عولمة إنسانية ومتوازنة باعتبار أنها في جانب منها نتيجة طبيعية لتطور تاريخي أصبح واقعا معيشا، وباعتبار أنها توفر إمكانيات كبرى من التواصل والتقارب بين الشعوب والتعاون بينها من أجل النضال المشترك لبناء عالم أفضل.
خاتمة
إن المشروع المجتمعي لحزبنا الذي تأسس على المحاور الخمسة المتمثلة في تعزيز أصالة المغرب وتعزيز البناء الديمقراطي والإسهام في تحقيق تنمية مستديمة وشاملة وإقرار عدالة اجتماعية ينطلق من رؤية مندمجة تتداخل في مختلف الأبعاد وتتكامل فيها المداخل مع التأكيد على أهمية الإنسان منطلقا وموضوعا وأساسا لكل تنمية.
على أننا في حزب العدالة والتنمية نرى أن نجاح أي مشروع إصلاحي ينطلق من إصلاح النخبة السياسية وأن تقدم الأحزاب القدوة من نفسها بما يقتضيه ذلك من إصلاح الثقافة، السياسي من خلال التطابق بين والمبادئ والاختيارات والتوجهات والشعارات وبين الممارسة، ومن خلال الإبداع والتجديد المتواصلين في الفكر والبرامج السياسية والقوة الاقتراحية ولذلك فستظل على التطوير أخذا بعين الاعتبار لتطورات الواقع وتجدد الفكر السياسي على أن تتولى أوراق أخرى تنزيلها في شكل برامج سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية مرحلية.