قال عبد الله ساعف، السياسي والأكاديمي ورئيس مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية، بأن حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه إلى الآن وجد نفسه في تحدي الإجابة عن سؤال، هل يجب أن ينكب على حماية الدعوة كوظيفة أساسية له؟ أم هو مطالب بالانخراط في بلورة تصور سياسي ينطلق من الدعوة.
وأضاف الوزير السابق للتربية الوطنية في حكومة التناوب، الذي كان يتحدث ضمن فعاليات الندوة التي نظمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العادي التاسع لحزب العدالة والتنمية اليوم بالرباط حول “حصيلة الحزب وأسئلة المستقبل”، أن من بين الأسئلة المطروحة أيضا على الحزب، هل هو حزب يمارس الصراع السياسي كبقية الأحزاب؟، مضيفا أن هذه الأسئلة أنتجت تضاربا داخل الحزب بحكم ما أسماه تعدد “النشآت” بصيغة الجمع، وتعدد مسارات مؤسسيه وقيادييه، فمنهم من انطلق من تجربة الشبيبة الإسلامية ومنهم من انطلق من جمعيات أخرى كالتي أسست لتجربة رابطة المستقبل الإسلامي وبعد ذلك حركة التوحيد والإصلاح. كما ساهم تعدد الأجيال وتعدد المكونات داخل الحزب إلى هذا التضارب وتباين الأصوات داخله.
هذا التمايز في الرؤى أو المواقف لم يخلق حسب ساعف، حالة تقاطب حاد كما وقع في تجارب أخرى، ولكن تم احتواؤه ضمن ديمقراطية مؤسساتية تعتبر نموذجية.
العلاقة مع الإطار الجمعوي
ساعف طرح إشكالا آخر بخصوص أداء العدالة والتنمية يتعلق بعلاقته مع الشكل الجمعوي، هل الحزب فرع يغطي الجانب السياسي للجمعية أي حركة التوحيد والإصلاح، وأن هذه الأخيرة تتولى بقية المجالات.
وأوضح المتحدث ذاته أنه في الحالة المغربية، المعتاد أن الأحزاب هي من يخلق الجمعيات، لكن حزب العدالة والتنمية حسبه يعتبر حالة فريدة، حيث أن الجمعية هي من خلقت الحزب، وبهذا الخصوص طرح إشكالية التمايز بين الدعوي والسياسي، وهو سؤال مطروح حتى داخل الحزب.
ورغم أن الحزب اختار التمايز، فإن ذلك، حسب ساعف، لم يمنع من حدوث التداخل، فمشاكل الشأن الديني انعكست على السياسي، وهذا واقع إلى حدود اليوم في قضايا التعليم والتطبيع والحريات العامة وغيرها.
بالمقابل رصد ساعف أن حركة التوحيد والإصلاح في المرحلة الأخيرة، بدأت تبتعد عن الحزب وربما وصلت إلى حدود تجميد العلاقة معه، وهو عنصر جزئي لتفسير نتائج انتخابات 2021، مما يطرح على الحزب في المرحلة المقبلة، هل سيتم تثبيت هذا الفصل وتعميقه أم لا ؟
حسم أسئلة المشروعية
في أحداث 11 شتنبر 2001 و16 ماي 2003 أعطيت للدولة إمكانية تحجيم الحزب وبالتبع نزع الشرعية عنه، وجاء تأسيس الأصالة والمعاصرة لقيادة هذه التوجه وبداية المواجهة مع الحزب.
لكن الذي وقع حسب ساعف، أن هذه اللحظة تم فيها تأكيد المشروعية المجتمعية للحزب وتم تثبيت شرعية الحزب في المشهد السياسي، ثم جاءت أحداث الربيع العربي ورغم انه لم ينزل كحزب للشارع، إلا أن ذلك ساهم في تثبيت الحزب في المشهد السياسي وحسمت معه أسئلة المشروعية بشكل نهائي.
ورغم ذلك، لاحظ المتحدث أن الحزب يكاد يكون غائبا في المؤسسات باستثناء البرلمان، فهو غائب في التعيينات في مناصب الولاة والعمال والكتاب العامين للوزارات، وفي المؤسسات العمومية والدستورية، بمعنى أنه رغم تثبيت المشروعية والوصول إلى رئاسة الحكومة طبقا للدستور يبقى الحزب حزبا لا يشبه الأحزاب الأخرى التي أُدمجت في النسق السياسي.
قوة ذاتية وسياق مساعد
أكد ساعف أن الحزب يتمتع بقوة ذاتية وبناء تنظيمي متماسك وبديمقراطية داخلية، لكنه استفاد أيضا مما أسماه “حظا”، ويتعلق الأمر، ببعض أخطاء السلطة وضعف المنافسين وكذلك أداء حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يوفق في المواجهة التي فتحها مع الحزب بالإضافة إلى السياق الإقليمي والمد الذي عرفه الإقليم لقوى مشابهة أو تتقاسم مع الحزب التصورات أو المرجعية في تونس ومصر وغيرها.
لكن اليوم الخريطة المجتمعية تغيرت وحتى التنظيمات تغيرت وبعضها أصبح شاردا والقوى المجتمعية التي تغذي الأحزاب السياسية تغيرت أيضا، مما يجعل الأفق حسب ساعف مفتوحا أمام جميع الاحتمالات.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.