تابعت أطوار الندوة الفكرية التي نظمها حزب العدالة والتنمية لتقييم حصيلة وتجربة أداء الحزب استعدادا لمؤتمره القادم، شارك فيها العديد من الباحثين والسياسيين، من خلال مداخلات فكرية تقارب تجربة الحزب وتقيمها. ويحسب للحزب قدرته على الانفتاح على مختلف المشارب، والإنصات للآراء المتعددة التي تختلف معه في الرؤية وسبل التدبير، لكنها تتفق جلها بأنه حالة خاصة وطنيا وإقليميا. فقليلة هي الأحزاب التي تستطيع الانفتاح على الآراء الأكاديمية التي تخالفها، بل إن بعض الهيئات التنظيمية تصر على ألا تستدعي لمؤتمراتها ونشاطاتها وندواتها إلا من يعيش معها في نفس النفق الإيديولوجي دون التمكن من الاستفادة من الآراء المختلفة التي تؤثث الساحة السياسية والفكرية.
وسأتوقف عرضا عند نقطة أشار إليها الدكتور محمد الطوزي في معرض مداخلته وهو يُشَرِّح تاريخ الحزب وفق قراءته السياسية والاجتماعيةك يتعلق بالإنتاج الفكري. ففي اعتقاده أن الأحزاب التي سماها “إيديولوجية” المؤسسة على رؤية عقائدية بالمعنى العام تستغل الوصول إلى التدبير من أجل تشجيع الإنتاج الفكري المواكب للتحولات التي تعيشها. والواقع ان هذه حقيقة ينبغي على أبناء العدالة والتنمية الانتباه إليها خاصة حين يعتقدون بتميز تجربتهم عن باقي التجارب العربية والإسلامية، وأنهم استطاعوا أن يقدموا حالة فريدة في مسار المصالحة مع الواقع الذي يعيشونه، وأن يكتسبوا شرعيتهم في توافق مع النظام السياسي دون التنازل عن المبادئ التأسيسية. فجل الأخطاء، أو الخطايا، التي ارتكبت إبان التدبير السياسي للشأن العام تأتي من غياب اجتهادات علمية رصينة من طرف مفكري الحزب وأطره البحثية.
فبالرغم من وجود عدد كبير من الباحثين داخل الحزب، أو في فلك فكرته داخل الجمعيات والمراكز البحثية، داخل المغرب وخارجه، لم يوفر لهؤلاء مجال للاجتهاد وتقديم الرؤى العلمية للقضايا التي رافقت الحزب أو عرقلت مسيرته الطبيعية. فالوصول إلى التدبير، أو الانتقال من مستوى الخطاب على حد تعبير الطوزي، يفرض مواكبته بالتحول النظري من خلال، ليس ملاءمة الخطاب التأسيسي مع الواقع العملي، وإنما اكتشاف مواطن الخلل في البناء النظري وعرضه على محك التجربة. وإلا ستكون النتيجة:
أ ــ الاستغراق في التدبير اليومي مما يفرغ الحزب من حمولته المبدئية ويجعله أقرب إلى الأحزاب الإدارية المؤسسة على المصلحة والمنفعة الظرفية.
ب ـ سيطرة الأطر التقنية على التفكير في مسار الحزب، وخير الأمثلة الأطر، خاصة الوزراء، الذين تصدوا للدفاع عن التطبيع والفرنسة وغيرها من المشاريع، حيث غدوا بين ليلة وضحاها فلاسفة ومفكرين يتحدثون في كل الميادين ويبررون كل السياسات.
ج ـ السقوط في متاهات التبرير دون سند معرفي وإيديولوجي معلوم.
د ـ تغييب الباحثين والمتخصصين وسيطرة فقهاء التبرير والشرعنة، الذي يتساقطون عند كل امتحان أو تراجع.
لذا فالرهان على الإنتاج الفكري ضرورة رئيسة من أجل توثيق التجربة، وتقديم الرؤية المتميزة للحركة الإسلامية بالمغرب، وتسويق النموذج المغربي في العلاقة بين الإسلاميين والحكم والفاعلين السياسيين، وأساسا من أجل المحافظة على جذوة التأسيس.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.